رئيس التحرير: طلعت علوي

قرى السحب السوداء ... تجارة بطعم الموت في جنوب الخليل

الثلاثاء | 01/05/2018 - 07:13 صباحاً
قرى السحب السوداء ... تجارة بطعم الموت في جنوب الخليل

 

ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا التداعيات البيئية والصحية لظاهرة جمع الخردة أو "الطقش" كما يطلق عليه باللهجة المحلية، وأيضاً الألمنيوم، والحديد، والنحاس، والنيكل، والرصاص، والقصدير، بالإضافة إلى البلاستيك، حيث تستأثر محافظة الخليل بنسبة 40% من حجم هذه الظاهرة، وتقدّر كمية المواد المحروقة بآلاف الأطنان شهرياً، حيث يتم الحرق بعد كل عملية جمع بشكل شبه يومي، وذلك قرب الأحياء السكنية وفوق الأراضي الزراعية.


وجاء في التقرير المعدّ من قبل الصحفي ساري جرادات: "أصبحت تلك المواد بفعل طمع البعض سرطاناً أسود يهدد مواطني بلدات بيت عوا ودير سامت وإذنا، وبالرغم من خطورة هذه الظاهرة، إلّا أن مصادرها ومسبباتها وطرق علاجها واضحة للجميع، وتتمثل باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتجرين بحياة وسلامة نحو 43 ألف مواطن يسكنون تلك المناطق".
يؤكد رئيس بلدية إذنا معمر اطميزي أن الحرق تسبب في تلوث مساحات شاسعة من الغلاف الجوي، وتضررت نتيجته مئات الدونمات الزراعية بسبب حرق العاملين في الخردة لسمومهم فيها، وهو ما أدى إلى فقدان التربة عناصرها الأساسية، على الرغم من القضاء على 90% من عمليات حرق الخردة وسط الأحياء السكنية.


وأشار  الطميزي ل "آفاق البيئة والتنمية" إلى أن العاملين في الخردة يستغلون سيطرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المساحات التي يتم الحرق فيها، وهو ما يصعّب من مهمة البلدية وسلطة جودة البيئة والشرطة الفلسطينية في ملاحقة المتسببين بالكوارث البيئية والصحية للمواطنين، كما أنهم يحرقونها في ساعات الليل.
وكانت البلديات بالتعاون مع سلطة جودة البيئة وجهاز الشرطة قد خفّضت حرق الخردة بنسبة 90% وسط الأحياء السكنية، لشدة ما نتج عنها من أضرار على الإنسان وبيئته، فاستعان التجار بالمناطق الواقعة بالقرب من جدار الفصل العنصري لحرق موادهم، وهو ما يصعب من مهمة جهات الاختصاص في منعهم.


أضرار صحيّة
وكشفت دراسة لمعهد الأبحاث العلمية التابع لجامعة بولتكنيك فلسطين (2013)، حول معامل الخردة في مناطق جنوب الضفة إلى أن 28.5% من الأشخاص مصابون بضيق التنفس، و17.5% مصابون بالحكة والتهاب الجلد، و13% منهم مصابون بأزمة قلبية، في حين كانت هذه الأمراض موجودة بشكل متدنٍ قبل حرق الخردة فوق أراضيها.
وتتسبب الروائح والمخلفات الناتجة عن عمليات الحرق، بالتأثير المباشر على الجهاز التنفسي والقلب لاحتوائها على مواد سامة تنبعث منها، وتحولت العديد من المناطق المأهولة بالمواطنين إلى مكرهة صحية، وفق حديث مدير مديرية صحة جنوب الخليل الدكتور عفيف العطاونة.


وأضاف العطاونة "تجري متابعات حثيثة لقضية حرق مخلفات الخردة، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، لوضع حد لهذه الظاهرة، وهناك عدة قضايا ما زالت قيد البحث، وأخرى ستحال خلال الأسبوعين القادمين للنيابة، لتقديم كل من يثبت تورطه في عمليات الحرق إلى جهات الاختصاص، حتى القضاء على هذه الظاهرة".
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأكبر من تحول أراضي جنوب الضفة إلى مكب لنفاياته وسمومه القاتلة، وتحظر قوانينه وأنظمته وجود مثل هذه الظاهرة في إسرائيل، لما تلحقه من أضرار في البيئة، لتجد ضالتها في الضفة الغربية، وفق رأي خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش.


يتابع حنتش: "استهدف جدار الفصل العنصري 60% من  أراضي محافظة الخليل الصالحة للزراعة، ونهب خيرات 565 ألف دونم، أي ما نسبته 51% من مجموع أراضي المحافظة، ومنع المواطنين من استخدام أراضيهم المحاذية للجدار، لذلك قام بعضهم بتأجير أرضه بأسعار عالية لتجار الخردة لحرق خردة المستوطنات ومقذوفات الاحتلال".
وطالب حنتش السلطة الفلسطينية بالانضمام لاتفاقية بازل للتحكم في حركة التخلص من النفايات الخطرة العابرة للحدود، كون الاتفاقية ستشكل نقطة ارتكاز لمنع تهريب النفايات والمعادن من كيان الاحتلال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومحاسبة الاحتلال كونه طرفاً في هذه الاتفاقية ويخضع لشروطها وواجباتها، وبالتالي يمكن وقف 70% من التلوث البيئي في مناطق جنوب الضفة.


الزيتون المخنوق
تجاوزت المصائب والقصص التي نتجت عن حرق الخردة المألوف، وألقت بظلالها على الثروتين النباتية والحيوانية، وتراجع إنتاج محصول الزيتون، وهلكت العديد من أشجار الصبر التي قاومت العطش والتصحر لكنها وقفت عاجزة أمام مقاومة حرق الخردة ومخلفاتها، وغابت العديد من أصناف الحياة البرية عن المكان.
يقول أحد مربي النحل المواطن الأربعيني إياد بشير من بلدة إذنا إن بلدته فقدت قرابة 3000 خلية نحل بفعل دخان حرق الخردة، والخلية الواحدة كانت تنتج ما معدله 10- 15 كيلو غرام من العسل سنوياً قبل عام 2006"، محملاً تجار الخردة تراجع قطاع تربية النحل في بلدته.


وينص قانون البيئة الفلسطيني الصادر عام 1999 في مادته 48: "على الجهات المختصة عدم إصدار أي تراخيص لإقامة المشاريع، المنشآت أو أي نشاطات إلا بعد الحصول على موافقة من وزارة البيئة"، في الوقت الذي يحصل فيه قرابة 230 معملاً للخردة غير مرخص على المياه والكهرباء من بلديات إذنا ودير سامت وبيت عوا.


تلوث خطير
وبين تقرير وزارة الصحة الصادر عام 2013 حول توزيع حالات الإصابة بمرض السرطان، أن أعلى نسبة سجلت في جنوب الخليل، وبلغت 25% من إجمالي معدلات الإصابة بالضفة، يأتي في مقدمتها سرطان الدم، والبروستات، والرئتين، ووجدت الطواقم الطبية أنواعاً من الأورام السرطانية تتركز بالقفص الصدري.
وصلت نسبة تلوث الهواء في مناطق جنوب الضفة ل 95%، وفق نتائج لجنة علمية من فنلندا أجرتها عام 2011، على الهواء الطلق في مناطق الجنوب، وأشارت اللجنة أن هذه النسبة تصل لهذا الحد في حال نشوب حرب نووية أو دفن مواد إشعاعية وعمليات حرق للمعادن.
يتواصل السرطان الأسود بالزحف نحو أرواح المواطنين، وأراضيهم الزراعية، ويبقى المستفيد الأكبر من زحفه هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، فهل يفيق تجار الخردة ويتخلون عن التذرع بأن تجارة الخردة مصدر رزقهم وعيشهم، فيسأل مواطن مغلوب على أمره عن ديباجة حياتهم قبل حضور السرطان الأسود إلى أزقة مناطقهم الوادعة!

التعليـــقات