رئيس التحرير: طلعت علوي

أضواء على الصحافة الإسرائيلية 27 – 28 نيسان 2018

السبت | 28/04/2018 - 12:12 مساءاً
أضواء على الصحافة الإسرائيلية 27 – 28 نيسان 2018

 

إسرائيل تمنع فلسطينية (65 عاما) مريضة بالسرطان من القدس، من زيارة عائلتها في قطاع غزة
تكتب صحيفة "هآرتس" أن إسرائيل تمنع فلسطينية من سكان القدس، وهي مريضة بالسرطان وعمرها 65 سنة، من دخول قطاع غزة، لزيارة أسرتها التي لم ترها منذ أكثر من عشر سنوات. وتدعي إسرائيل أن المعايير الموضوعة لدخول الإسرائيليين إلى قطاع غزة، منذ فك الارتباط في عام 2005، لا تنطبق عليها. وكانت السيدة سعدى حسونة قد تزوجت من أحد سكان القدس في عام 1972 وحصلت على الإقامة الدائمة في المدينة. حتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زارت هي وأبناؤها الثلاثة عائلتها، لكن منذ شددت إسرائيل معايير دخول قطاع غزة ومغادرته، تم منعهم من الدخول.
في العام الماضي، اكتشفت حسونة أنها مصابة بسرطان الثدي، ومنذ ذلك الحين تخضع لعلاج كيماوي في مستشفى هداسا عين كارم، بل اضطرت للخضوع لعملية استئصال الثدي. ويوجد لحسونة شقيقان وست أخوات في قطاع غزة، وأم مسنة. وقد حصلت إحدى أخواتها على تصريح لزيارتها في منزلها في مخيم شعفاط، لكن الأم العجوز لا تستطيع السفر على الطرق، وتسعى حسونة لرؤيتها وبقية أفراد العائلة الذين لم يحصلوا على تصريح خروج لزيارتها.
وقالت إن أسرتها توجهت إلى دائرة التنسيق والارتباط (DCO)، التابعة لمنسق أعمال الحكومة في المناطق في وزارة الأمن، بطلب السماح لابنتها بدخول قطاع غزة ولكن تم رفض الطلب، لذا لجأت إلى جمعية "غيشاه" (وصول). وفي 28 آذار قدمت مركزة الجمعية إلى قسم الإسرائيليين في مكتب منسق أعمال الحكومة في غزة طلبا بالسماح لحسونة بدخول قطاع غزة. وفي 2 نيسان، وصل رد غير موقع عبر البريد الإلكتروني يفيد بأنه تم رفض طلب الحصول على تصريح دخول "بسبب عدم استيفاء معايير خروج الإسرائيليين إلى قطاع غزة. وفي ضوء حقيقة أن طلبها لا يتوافق مع أي من المعايير المنصوص عليها."
وبسبب الرفض، تقدمت الجمعية بالتماس إلى المحكمة العليا لإصدار أمر قضائي يلزم الدولة على توضيح موقفها. وجاء في الالتماس "أن الرد السريع نسبيا على طلب الملتمسة، والذي تم تقديمه بعد ثلاثة أيام عمل فقط، يشهد على حقيقة أن المدعى عليهم لم ينظروا في الطلب بعناية ودقة. وفقا لموقف قاضية المحكمة العليا دافنا براك في كتابها "القانون الإداري"، "يجب على كل سلطة إدارية الالتزام بتفعيل السلطة التقديرية عندما تتخذ قرارات بشأن المسائل التي تدخل في نطاق سلطتها القضائية. وينطبق هذا الالتزام أيضًا عندما تتصرف السلطة وفقًا للمبادئ التوجيهية والإجراءات التي حددتها لنفسها. في أي طلب يُعرض عليها، يجب على السلطة فحص ما إذا كانت الظروف الخاصة للقضية لا تتطلب الخروج عن الإجراء الذي وضعته."
بالإضافة إلى الالتماس، طلبت محامية "غيشاه"، سيجي بن آري، من الدولة أن تشرح لماذا لا يتم تحديث الإجراءات ويسمح للإسرائيليين الآخرين الذين يعانون من مرض خطير أو يخشى على حياتهم، بزيارة أقاربهم في قطاع غزة.
في البداية، كان من المقرر عقد جلسة في 7 حزيران، وبعد استئناف "غيشاه" على الموعد المحدد، تم تقديم الجلسة إلى 2 أيار. وفي غضون ذلك، توجه عضو الكنيست موسي راز (ميرتس) إلى مساعدة وزير الأمن، روث بار، وطلب منها التدخل حتى تتمكن حسونة من زيارة عائلتها. وكتب راز يوم الثلاثاء: "بسبب الحالة الصحية والعاطفية التي تعيش فيها" طلبت سعدى أن تسافر للمرة الأخيرة إلى غزة لزيارة أمها وأفراد أسرتها الذين لم تراهم منذ 18 عاما. إنها لا تعرف كيف ستكون حالتها الصحية في المستقبل القريب وتتخوف من الانتظار لوقت آخر، وألا تسمح لها حالتها بزيارة عائلتها، وقضاء وقت معها وتوديعها. وحتى وقت نشر هذا التقرير، لم يتلق راز أي رد من بار.
ويوم أمس (الخميس) أثناء توجهها من بيتها في شعفاط إلى المستشفى لتلقي العلاج الكيماوي الأسبوعي، قالت سعدى لصحيفة "هآرتس": "كمسلمة مؤمنة بالله، لست خائفة من الموت، لكنني أريد رؤية أبناء عائلتي وأنا على قيد الحياة. أليس هذا من حقنا؟ هل سأتمكن من زيارة غزة فقط إذا مات أحدهم، أو هل سيتمكنون من الحضور إلى القدس إذا مت أنا؟"
تشييع جثمان المهندس فادي البطش في مخيم جباليا
تكتب صحيفة "هآرتس" أنه تم مساء الخميس، تشييع جثمان المهندس الفلسطيني فادي البطش، الذي اغتيل في ماليزيا، في نهاية الأسبوع الماضي. ووصل أبناء عائلة البطش وممثلين عن الفصائل الفلسطينية إلى قاعة الاستقبال في معبر رفح ورافقوا الجثة إلى مخيم جباليا.
وحاولت إسرائيل منع إدخال الجثة إلى قطاع غزة، لكن مصر وافقت على إدخالها عبر معبر رفح. واتهمت مصادر عدة إسرائيل باغتيال البطش، ومن بينهم عائلته والأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ومسؤولين فلسطينيين.
وادعت صحيفة نيويورك تايمز أن البطش كان متورطا في صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، وفقا لمصادر الاستخبارات في الغرب والشرق الأوسط. وكانت مصر قد ضبطت مؤخرا شحنة في طريقها إلى قطاع غزة تحوي مكونات الاتصالات الكورية الشمالية المستخدمة في الذخائر الموجهة. وقالت المصادر إن البطش ساعد في التوسط في هذه الصفقة.
بتسيلم يناشد الأمم المتحدة التدخل لمنع إسرائيل من قتل المتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة
تكتب صحيفة "هآرتس" أن مركز "بتسيلم" دعا، يوم الخميس، الأمم المتحدة إلى التدخل لوقف إطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية على المتظاهرين العزل على حدود قطاع غزة. وجاء ذلك قبل النقاش الذي أجراه مجلس الأمن حول هذه القضية. وقال حجاي إلعاد، المدير العام للمنظمة: "يجب على الأمم المتحدة بذل قصارى جهدها لحماية أرواح الفلسطينيين وضمان الحفاظ على المعايير الدولية".
وأدرج إلعاد في الرسالة، أسماء 35 فلسطينيًا غير مسلح، قتلهم الجيش الإسرائيلي خلال الأحداث على الحدود في الأسابيع الأخيرة، واتهم الجيش بفتح النيران غير القانونية على متظاهرين غير مسلحين.
وقال العاد: "من خلال التجربة السابقة، فإن التحقيق الإسرائيلي الداخلي لن يكون سوى "غسيل للأحداث"، وأن "حياة الذين قتلوا في قطاع غزة من دون حقوق سياسية وأمل في مستقبل معقول تخضع بالكامل لقرارات وسياسات الحكومة الإسرائيلية".
مجلس الأمن يناقش الأوضاع على حدود غزة
في السياق تكتب "يسرائيل هيوم" أنه خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، وقفت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، كيرن برايس، إلى جانب إسرائيل وقالت: "من الواضح أن حماس تستغل الأطفال لأغراض إرهابية ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها." كما دعمت السفيرة الأمريكي في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، ادعاءات إسرائيل ودعت إلى إدانة استخدام المدنيين كدروع بشرية.
وقدم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملدانوف، استعراضا حول الأوضاع في الشرق الأوسط وقال إن "الحرب فيها بين المعتدلين والمتطرفين تدور على مستقبل الملايين من الناس". وتطرق ملدانوف إلى ما يحدث في سوريا واليمن وقطاع غزة، وقال إن "الانتهاكات العنيفة للقانون الدولي، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، أصبحت السمة المميزة للمنطقة"، وقال: "طالما لم ينته الاحتلال على أساس حل الدولتين، سيبقى الصراع يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن في المنطقة".
ورحب ملدانوف بقرار إسرائيل التحقيق في إطلاق النار على القاصرين في مظاهرات السياج الحدودي لغزة. وقال "الأطفال الذين يُتوقع أن يكونوا محميين بشكل خاص معرضون لخطر جسيم ولسوء الحظ شهدنا حتى الآن، سقوط أربعة أولاد على الأقل قتلا بالرصاص الحي. وقال: "أشدد على أنه: من المحظور أن يتم تعمد تعرض الأطفال للخطر أو استهدافهم بالنار، بأي شكل من الأشكال. لكن يجب على الجميع ضمان أن يتمكن المواطنون من ممارسة حقهم في التظاهر".
مسيرة تضامنية في معبر إيرز مع أبرا مانغيستو وعائلته
تكتب "يديعوت احرونوت" أن عشرات النشطاء الفاعلين من أجل إطلاق سراح أبرا مانغيستو، شاركوا بعد ظهر الخميس، في مسيرة تضامنية معه انطلقت من ياد مردخاي وحتى معبر إيرز على حدود غزة.
وكان من بين المشاركين في المسيرة شخصيات عامة، من بينهم عضو الكنيست أورين حزان. وفي هذا السياق، قال شقيق أبرا، إيلان، لصحيفة "يسرائيل هيوم": "لقد مرت 1327 يومًا منذ احتجاز أخي، والغرض من المسيرة هو نقل رسالة إلى حماس، تطرح مطالبتنا بالمعاملة بالمثل. من غير المعقول أنه في حين يجلس والدي في الظلام، دون معرفة ما هو مصيره، يكون معبر إيرز مفتوحا كل أسبوع أمام عائلات أسرى حماس الذين يأتون لزيارة أبنائهم، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر".
وأكد عضو الكنيست أورين حزان أن "الحكومة الإسرائيلية تمارس ضغوطاً، لكن معبر إيرز مفتوح ويمكن لسكان غزة تلقي العلاج الطبي، هناك صمت شنيع من جانب الحكومة. في نهاية المطاف يجري الحديث عن مواطن مريض تحتجزه حماس في السر، وهذا اجتياز لخط احمر. ومن ناحية أخرى، ليس هناك مطالبة من جانب الحكومة ورئيس الوزراء بإعادة أبرا".
مقالات وتقارير
مرة أخرى، أوقفوا النار
تحت هذا العنوان تكتب "هآرتس" في افتتاحيتها الرئيسية: ​مرة أخرى، سيقف اليوم متظاهرو “مسيرة العودة” من قطاع غزة وجنود الجيش الإسرائيلي أحدهما مقابل الآخر. يحظر أن يتحول يوم الجمعة هذا، أيضا، الخامس على التوالي، إلى اليوم الأخير في حياة مزيد من الشبان اليائسين وغير المسلحين ممن لا يعرضون حياة أحد للخطر، ولا إلى اليوم الذي يصبح فيه المزيد من الشبان معوقين طوال حياتهم.
​الأمر في يد الجيش الإسرائيلي وقادته. يوم الجمعة الخامس من سلسلة المظاهرات هذه يجب أن يؤدي أخيرا إلى وقف استخدام الجيش الإسرائيلي للنار الحية والفتاكة ضد متظاهرين غير مسلحين، ويجب أن ينتهي دون إصابات.
​ أمس الأول، توفي متأثرا بجراحه الضحية ألــ 40 للنيران التي تم إطلاقها على المتظاهرين. كان هذا القتيل هو المصور الصحفي احمد أبو حسين، الذي أصيب بجراح خطيرة في بطنه قبل نحو أسبوعين بنار القناصة. كان أبو حسين أحد أربعة مصابين فقط، بينهم طفل ابن 11 عاما مقطوع الساق، سمحت إسرائيل بنقلهم إلى مستشفى رام الله. وحتى نقل هؤلاء الجرحى تم فقط بعد رفع التماس إلى المحكمة العليا. من أصل 5.511 جريح في المظاهرات قرب الجدار، أصيب 1.700 بالنار الحية.
​ووفقا لشهادات الأطباء في غزة، فقد كانت الإصابات هذه المرة خطيرة على نحو خاص. آلاف الجرحى هو رقم يبعث على الفزع، في ضوء الواقع الذي يقف فيه المتظاهرون أمام الجيش الإسرائيلي وهم غير مسلحين بل وبشكل عام غير عنيفين. حقيقة أن جهاز الأمن، بأمر من الوزير افيغدور ليبرمان، لا يسمح بتقديم العلاج الطبي لمزيد من الجرحى في رام الله أو في إسرائيل، حيال انهيار الجهاز الصحي في غزة، يضيف خطيئة إلى الجريمة. لقد توفي أبو حسين أخيرا في مستشفى في إسرائيل بعد أن تدهور وضعه.
​كان كل القتلى في المظاهرات شبان، اثنان منهم طفلان. وكان يمكن منع قتلهم لو أنه تم لجم استخدام الجيش الإسرائيلي للنار الحية التي يطلقها على المتظاهرين. الانخفاض المتواصل في عدد المصابين من أسبوع لأسبوع، وهو ميل متواصل، لا ينبع فقط من تقلص عدد المتظاهرين من أسبوع لأسبوع. فهو يشهد أيضا على اللجم النسبي في سلوك جنود الجيش الإسرائيلي. هذا لا يكفي. على الجيش الإسرائيلي أن يضع لنفسه ابتداء من اليوم هدفا واضحا: صفر من المصابين الفلسطينيين، طالما لا يعرضون حياة أحد للخطر.
تيدي كوليك أرسل مساعده إلى تونس لإقناع عرفات بالسماح لعرب القدس بالتصويت
يكتب نير حسون في تقرير نشره في "هآرتس"، أن رئيس بلدية القدس الأسبق، تيدي كوليك، كان في عام 1993 يبلغ الثانية والثمانين من العمر بعد 28 سنة أمضاها في رئاسة بلدية القدس. وقد رغب بالانسحاب باحترام، لكن حزب العمل ضغط عليه لكي ينافس مرة أخرى، على رئاسة البلدية، أمام مرشح الليكود الشاب إيهود أولمرت. وكان كوليك يعرف بأن أولمرت يستطيع اجتذاب الجمهور الحريدي المتدين وأن احتمالاته بالفوز عليه ضئيلة.
يقول البروفيسور موشيه عميراف، الذي كان عضو في مجلس بلدية القدس ويتولى ملف شرقي القدس، في حينه: "توجهت إلى كوليك وقلت له: انسحب، لا يوجد لك احتمال بالنجاح"، فقال تيدي: أنت على حق، لكن يمكنك المساعدة. تستطيع الوصول إلى عرفات وإقناعه بأن يأمر العرب بالتصويت".
يتمتع الفلسطينيون في القدس بمكانة الإقامة الدائمة وحق التصويت للانتخابات البلدية، ولكن ليس للكنيست. لكنهم منذ العام 1967 لم يستغلوا هذا الحق، تقريبا، خوفا من أن تفسر مشاركتهم في الانتخابات كاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على شرقي القدس. قبل بضع سنوات كان عميراف شخصية رفيعة في فرع الليكود في القدس، لكن في حينه تم كشف لقاءاته مع فيصل الحسيني، زعيم الفلسطينيين في المدينة، وهددت محكمة الحزب بطرده من صفوف الليكود، فانتقل عميراف إلى حزب "شينوي".
وبفضل علاقاته نجح في ترتيب لقاء مع ياسر عرفات في تونس. في حينه كانت عملية أوسلو تجري سرا، وكان القانون يحظر الالتقاء برجال م. ت. ف. ويتذكر عميراف: ذهب تيدي إلى أحد الأشخاص في الحكومة، كما يبدو اسحق رابين، وحصل على الموافقة على السفر. وصلت إلى تونس بجواز سفر إسرائيلي، وهناك انتظرني رجال م. ت. ف وأخذوني إلى عرفات. وقال لي إنه ستنعقد في ذلك المساء جلسة للجنة التنفيذية، وسألني ماذا أريد أن افعل الآن. طلبت الذهاب لرؤية ميناء هنيبال، وعندما عدت كانت لنا محادثة حول بطلينا، هنيبال من ناحيتي وصلاح الدين من ناحيته. وبعد ذلك قال لي "الآن سهى ستقدم لك الشاي ونحن سنذهب إلى الجلسة".
​بعد اجتماع اللجنة، يقول عميراف: "قال لي إن الأمر لم يكن سهلا، لقد اتخذنا قرار بالسماح لا خوتنا في القدس بالتصويت، ومن الأفضل أن يكون ذلك لصالح حزب فلسطيني". لقد قال إنه لن يتدخل في سياستنا الداخلية وأن كوليك وأولمرت هما نفس الشيء بالنسبة له، لكن إذا كان للفلسطينيين حزب يمكنهم التأثير. صافحت عرفات ورجعت إلى تيدي الذي قفز فرحا. واحتفظنا بهذا سرا حتى لا يستخدمه أولمرت ضد كوليك."
​الفرح كان مبكرا لأوانه: فقد كان يجب بعد ذلك، إقناع القيادة الفلسطينية المقدسية بإنشاء حزب ودعوة سكان شرقي القدس للتصويت. واجتمع مجلس برئاسة الحسيني في "بيت الشرق" لمناقشة الموضوع. "اتصل بي فيصل ودعاني إلى المجلس من اجل عرض المبررات لصالح التصويت، شرحت لهم بأنني اعتقد أن هذا جيد للقدس وللفلسطينيين، الذين يحصلون على 3% من الميزانية فقط، رغم أنهم يشكلون 28 في المئة من السكان. وبعد أن ألقيت خطابي قلت للحسيني إن هذه خطوة تاريخية. فقال أنت لست بحاجة إلى إقناعي، لكن بعد ساعتين خرج وقال لي: آسف. لقد أقنعتني، لكن الجميع يرى الأمور بصورة حساسة ويعتقدون أن هذه خيانة”.
​ويتذكر عميراف أنه كان هناك ثلاثة أعضاء من بين ألـ 15 عضوا صوتوا مع المشاركة في الانتخابات: الحسيني وحنا سنيورة وسري نسيبة، الذين تم اعتبارهم أصوات معتدلة في القيادة الفلسطينية. وشرح نسيبة لصحيفة “هآرتس” أن "الشعور العام كان بأن الوقت غير مناسب لذلك”. وأضاف عميراف: “بعد ذلك اتصل أبو مازن معي وقال "أنا آسف حقا، لقد كانت هذه خطوة شجاعة، لكنهم يخافون"، عدت إلى تيدي وقلت له انسحب”. تيدي لم يقبل النصيحة وخسر لصالح أولمرت.
لا يستبعد ​نسيبة وعميراف إمكانية أن يكون لقرار عرفات الأول علاقة بالمفاوضات التي كانت في مرحلة متقدمة في أوسلو. ربما افترض أنه سيحين قريبا موعد المفاوضات على تقسيم القدس، وأنه من الأفضل للفلسطينيين أن يأتوا إليها من موقف قوة، حتى بثمن اعتراف مؤقت بالسيادة الإسرائيلية. بعد ذلك انضم عميراف إلى قمة كامب ديفيد كمستشار لرئيس الحكومة إيهود براك وقابل هناك عرفات: "قال لي إن الرفض كان خطأ تاريخيا، لو تم قبول اقتراحي لكان كل شيء سيكون مختلفا”. لكن نسيبة غير مقتنع بذلك: “من الصعب معرفة ما كان سيحدث. كان يمكن لذلك أن يضعه في موقف أفضل للمطالبة بحل الدولتين، لكن من يعرف”. ومهما كان الأمر، فان مهمة عميراف التي يتم النشر عنها للمرة الأولى في "هآرتس"، كانت المحاولة الأقرب للنجاح في تجنيد القيادة الفلسطينية لتغيير الخارطة السياسية في القدس.
​إن أول من حاول إحضار الفلسطينيين لصناديق الاقتراع، وكان أيضا هو الوحيد الذي نجح، على الأقل بدرجة معينة، هو ميرون بنفنستي، نائب كوليك ومساعده على مدى سنوات كثيرة والذي تولى ملف شرقي القدس بعد توحيد المدينة. في الانتخابات الأولى بعد حرب الأيام الستة، في العام 1969 اتبع أسلوبا إشكاليا لكنه ناجعا. "الناس كانوا لا يزالون في صدمة، ولم يعرفوا ما هو وضعهم. عندها نشرت شائعة بأن من لا يقوم بالتصويت سيعرض مكانته كمقيم، للخطر”، قال بنفنستي. وقد أقام مركز معلومات للناخبين قرب بوابة يافا ونظم حافلات وسيارات عمومية لنقلهم إلى صناديق الاقتراع. في نهاية يوم الانتخابات تبين أن 7500 فلسطيني، 21 في المئة من أصحاب حق الاقتراع في شرقي القدس، شاركوا في الانتخابات. كما كان هناك بضع مئات لم يتمكنوا من التصويت. هذا النجاح ظهرت نتيجته في مجلس البلدية: كوليك الذي كان رئيسا لكتلة حزب المعراخ فاز للمرة الأولى والأخيرة بأغلبية مطلقة في مجلس المدينة.
​في انتخابات 1973 حاول بنفنستي تكرار ذلك النجاح، لكن حتى ذلك الحين كان الفلسطينيون قد عرفوا أن مكانتهم غير مرتبطة بالتصويت، وفي ذلك الوقت كانت م. ت. ف قد تعززت في شرقي القدس وازدادت المعارضة للمشاركة في الانتخابات. ووصلت نسبة التصويت في حينه إلى 7.5% فقط. ومنذ ذلك الحين تراوحت نسبة التصويت بين أرقام معدودة وبين أقل من 1%، في الانتخابات الأخيرة في 2013. الكثير من الناخبين هم عمال فلسطينيون في البلدية. ورغم أنه تم التشبث بالمقاطعة باتفاق جميع التيارات الفلسطينية، فقد جرت في كل الحملات الانتخابية في القدس منذ توحيدها، محاولات لجلب السكان العرب في المدينة إلى صناديق الاقتراع، وحتى الآن هناك من يعتقدون أنه في تشرين الأول القادم سيحدث هذا أخيرا.
​في العام 1998 بعد خمس سنوات على فشل عميراف، جرب عوزي برعام حظه، الذي كان في السابق مدير حملة انتخابات كوليك وأصبح وزيرا في حكومة رابين في حينه وأحد رؤساء حزب العمل. “كان علي ضغط كبير للتنافس أمام أولمرت”، قال. “طلبت إجراء استطلاع اظهر أنه لدى العلمانيين سأفوز عليه بنسبة 10: 1، لكن لدى الحريديين ليس لدي شيء. عرفت أنه لن يتم انتخابي دون حدوث تغيير لدى العرب”.
​ كانت علاقات برعام ممتازة مع القيادة الفلسطينية التي كانت في حينه تتواجد في رام الله. قبل بضعة أشهر من الانتخابات ذهب إلى هناك والتقى مع عرفات، بوساطة احمد الطيبي: "قلت له أنا لا اطلب منك دعوتهم للتصويت. أيضا لم أكن على يقين من أن هذا سيكون في صالحي. طلبت ألا يمنعهم من التصويت وألا يشوش علينا إحضارهم إلى صناديق الاقتراع". عندما عرض عليه عرفات مبرر الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية أجاب برعام بأن التصويت سيعطي الفلسطينيين قوة للتأثير في مستقبل المدينة. "قال لي أنت مرشح كنا نريد رؤيته، وأنا سأطرح الموضوع للبت فيه”. وساد لدي الانطباع بأنه كان يميل إلى الموافقة على الطلب". ولكن بعد فترة قصيرة تلقى برعام مكالمة من رئيس مكتب عرفات ابلغه فيها رفض طلبه. وفهم برعام أن فرص نجاحه تقارب الصفر فقرر عدم التنافس.
​بعد عشر سنوات تقريبا، جاء دور أركادي غايدماك، وللحظة كان هناك من اعتقدوا أنه قريب من النجاح. قبل ثلاثة اسابيع من موعد الانتخابات أجرى محادثة مطولة مع مفتي القدس. وكان غايدماك يمتنع في حينه عن الالتقاء مع جهات إسرائيلية رسمية ومع شخصيات فلسطينية، في الوقت الذي كان يوزع فيه الوعود والمساعدات. وتلقى رجاله التشجيع من قيام صحيفة “القدس”، الصحيفة الفلسطينية المشهورة، بوصفه بـ “ملياردير من أصل روسي”، دون الإشارة إلى أنه يهودي. ولكن في يوم الانتخابات ومثل آخرين قبله اكتشف غايدماك أن الفلسطينيين بقوا في بيوتهم. نسبة التصويت في شرقي المدينة كان ضئيلا، وقد حصل على 3.5% من الأصوات في كل المدينة.
​ في كل حملة انتخابية، تقريبا، كان هناك فلسطينيون يرغبون بترشيح أنفسهم للبلدية، لكنهم واجهوا معارضة، وأحيانا عنيفة، وفي نهاية الأمر خضعوا للضغوط. سنيورة الذي أراد الترشح في 1989 سحب ترشيحه بعد أن تم إحراق سيارته. وفي الحملة الانتخابية الحالية يتبين أن هذه الظاهرة ازدادت عن السابق. حتى الآن صرح فلسطينيين من القدس عن نيتهما قيادة قوائم انتخابية: إياد بيبوح، وهو معلم في حي الطور، ورمضان دبش، رئيس الإدارة المجتمعية في حي صور باهر. في هذا الأسبوع، اعلن عن تشكيل قائمة إسرائيلية - فلسطينية مشتركة برئاسة احد نشطاء السلام، غرشون باسكن، وعزيز أبو سارة وهو عضو في منتدى العائلات الثكلى وصاحب شركة سياحة في شرقي المدينة.
​من ناحية حسابية يمكن للفلسطينيين في القدس إحداث انقلاب انتخابي في المدينة. رئيس البلدية الحالي نير بركات حصل في 2013 على 111 ألف صوت، في حين أنه في السجل الانتخابي في شرقي القدس هناك حوالي 180 ألف شخص مسجلين. إلا أن كل من يعرف شرقي المدينة يعرف أن السيناريو الذي يحتل فيه فلسطيني مكتب رئاسة البلدية بعيد عن التحقق. معارضة التيارات المركزية في السياسة الفلسطينية للمشاركة في الانتخابات ما زالت قوية، وحتى لو تم اتخاذ قرار وطني للمشاركة في الانتخابات، فان اللامبالاة واليأس في شرقي المدينة لن تساهم في زيادة نسبة التصويت.
​في هذه الأثناء يقول سري نسيبة، سيكون من الخطأ مشاركة الفلسطينيين في القدس في الانتخابات. "مع أخذ الظروف والأحداث الأخيرة بعين الاعتبار فان هذا سيعتبر من قبل المجتمع الدولي وترامب وإسرائيل، وكأنه يمكن إخراج القدس من المعادلة، وأنه قد تم حل الموضوع. لذلك من المهم الآن للفلسطينيين في القدس القول نحن جزء من الكيان الفلسطيني". ويتفق بنفنستي معه في ذلك ويقول: “أنا لا أوافق على هذه الفرضية، بأنهم يعاقبون أنفسهم بعدم التصويت. الناس يعتقدون أن تصويت العرب هو الذي سيحدث التغيير. ولكن بهذا فان الإسرائيليين يحررون أنفسهم من المسؤولية. الاضطهاد والعنصرية أكثر قوة من التصويت، وجهاز الحكم الإسرائيلي سيواصل قمعهم. كل ذلك أحلام يقظة، الحل للقدس ليس في صناديق انتخابات البلدية".
أ. ب يهوشاع، ليس متأخرا أن تستيقظ من "اليقظة"
تحت هذا العنوان يكتب دمتري شوماسكي في "هآرتس"، أنه في مقالة طويلة نشرت على قسمين في ملحق “هآرتس” (13 و20 نيسان) يُطّلق الكاتب أ. ب يهوشاع فكرة تقسيم البلاد التي تقع بين البحر والنهر إلى دولتين، ويقترح أن نتبنى بدلا منها نموذج الدولة الواحدة. في بداية أقواله يعرف نفسه بأنه عمل بلا كلل من اجل حل الدولتين على مدى خمسين سنة، لكن الآن، في الوقت الذي يتحول فيه مفهوم "الدولة الفلسطينية"، بالنسبة له، إلى مفهوم دائم، سواء في أجزاء واسعة من الخطاب السياسي الإسرائيلي، أو في أوساط معظم الدول (من الهند وحتى إفريقيا) يتضح له أن حلم الدولتين "لم يعد قابلا للتحقق في الواقع، وهو يستخدم فقط كغطاء مضلل ومخادع للزحف البطيء ويعمق وجود الاحتلال الشرير والأبرتهايد القانوني والاجتماعي".
​أولا، من الجدير تهنئة يهوشاع لأنه في الفترة التي وصلت فيها العنصرية التبشيرية في دولة نتنياهو إلى أبعاد فظيعة، يستجمع فيها قوته من اجل صياغة حلم المستقبل الإنساني والمتساوي في أساسه، الذي تقف في مركزه شراكة ثنائية القومية بين شعبي هذه البلاد، إسرائيل – فلسطين. ولكن المشكلة هي أن تحليل واقع الماضي والحاضر الذي يقود يهوشاع إلى هذا الحلم المستقبلي، يستند إلى تشخيصين خاطئين، بسببهما ليس فقط أن الكتلة "ثنائية القومية" التي يطرحها لا يتوقع أن تخدم هدفه المعلن في خفض معاناة الفلسطينيين و"انقاذ إنسانيتنا وإنسانية الفلسطينيين الذين يعيشون بيننا" – وإنما يمكن أن تؤدي بشكل غير مباشر إلى تعميق احتلال وقمع الشعب الفلسطيني.
​نبدأ من الماضي، كما أسلفنا، يهوشاع يعلن أنه منذ حرب الأيام الستة يُعد من المقاتلين الذين لا يكلون من اجل تطبيق حل الدولتين. ولكن هذا الادعاء صحيح بصورة جزئية فقط. صحيح أنه خلال عشرات السنين قام يهوشاع بدور هام في أوساط المثقفين في معسكر السلام الإسرائيلي، وأيد علنا الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني، وأيد التفاوض مع الفلسطينيين على أساس صيغة “الأراضي مقابل السلام”. مع ذلك يجب الاعتراف بأن النضال الفعال ضد نمو وتوسع مشروع الاستيطان في الضفة الغربية – أحد العوامل الأساسية، الذي يمنع الآن حسب يهوشاع نفسه، تحقيق حلم الدولتين – لم يكن في مركز الفكر الوطني ليهوشاع في الجيلين الأخيرين.
​المؤرخون في المستقبل للمجتمع الإسرائيلي الحالي، والذين سيرغبون بمعرفة إسهام يهوشاع في التفكير القومي الصهيوني الحديث، سيركزون بشكل طبيعي في المقام الأول على كتابه القوي "بفضل الحالة الطبيعية: خمسة مسائل في الصهيونية” (1980) – الذي يعتبر هوية ثقافية ليهوشاع كمفكر وطني سياسي – اجتماعي. وهنا رغم أن دعمه المبدئي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يظهر في كتابه، إلا أننا لا نجد فيه تحد واضح لمشروع الاستيطان (الذي شمل في السنة التي نشر فيها الكتاب، شمل حسب معطيات بتسيلم، 53 مستوطنة عاش فيها 12.500 مستوطن).
​هذا التحدي كان مطلوبا بصورة واضحة. لقد دعا يهوشاع في هذا الكتاب (وعلى مدى عشرات السنين بعد ذلك) – استمرارا للصهيونية الهرتسلية – إلى استكمال التطبيع السياسي – الاجتماعي للشعب اليهودي، والتخلي إلى الأبد عن فكرة الاستثنائية الذاتية اليهودية، التي تمنع اندماج القومية اليهودية الإسرائيلية، كجزء لا يتجزأ من الإنسانية. ولكن ليس هناك خرق أوضح لمبدأ الطبيعية الوطنية من إسكان مواطني الدولة خارج حدودها السيادية، داخل مجموعة سكانية قومية أجنبية، ومن خلال جهد مصمم و"عصابي" (اذا اردنا استخدام مفهوم يهوشاع فيما يتعلق بالمنفى) لتخيل الدولة الإسرائيلية السيادية كـ"دولة على الطريق"، نوع من الكيان الهجين الشاذ، بين دولة قومية شرعية وحركة قومية تبشيرية تقف فوق القانون الدولي. هذا خطأ، لقد اختار يهوشاع عدم الاستجابة للتحدي المحلي والآني الذي وقف أمام رؤية الطبيعية القومية الصهيونية له، وفضل خوض حرب عفى عليها الزمن واكثر راحة ضد “المنفى”. إضافة إلى ذلك عندما طلب منه التعامل مع موضوع “المناطق” في الكتاب المذكور، اضطر إلى الاعتراف بأن رؤية ارض إسرائيل الكاملة يمكن أن تكون مقبولة لأن مؤيديها، حسب رأيهم، قدموا تنازلا ليس سهلا لأنهم وافقوا على التخلي عن حلم الدولة عبر ضفتي الأردن. هكذا عبر بصورة غير صحيحة عن موقف امتثالي تماما تجاه الرؤية الاستيطانية – لهذا فان طرحه الذاتي كمؤيد صلب لحلم الدولتين يعاني من مبالغة ليست قليلة.
​ربما أن نقص المعرفة الذاتية لدى يهوشاع لدرجة التردد والامتثالية في آرائه السابقة إزاء التحدي الاستيطاني هو الذي لا يمكنه من الاعتراف بأن مواقفه في الحاضر أيضا – وهنا التشخيص الخاطئ الآخر في مقاله – لا يعارض في الحقيقة الخطاب القومي المهيمن اليوم. في مقاله الحالي يدعي يهوشاع أن اقتراحه للدولة الواحدة يهدف إلى تحدي الرؤية المقبولة اليوم في إسرائيل والمجتمع الدولي، المؤيدة لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ولكن الواقع هو تقريبا العكس. في أيام مملكة نتنياهو الرابعة، وفي الوقت الذي أعلن فيه الزعيم غير المشكوك فيه لإسرائيل الدولة التي تحتل وتستوطن، أن أكثر ما سيوافق عليه هو “إعطاء الفلسطينيين اقل من دولة" فان مفهوم “الدولتين” آخذ في التلاشي من القاموس السياسي الحديث، وبنفس الدرجة فان رئيس الدولة العظمى الإنجيلية الأمريكية يظهر المزيد والمزيد من الدلائل على الانسحاب الواضح من فكرة الدولتين. وحتى الاتحاد الأوروبي لا يخرج بصورة صريحة ومصممة ضد مشروع الاستيطان.
​مقابل كل ذلك يطرح السؤال من هي الجهة التي يخدمها أكثر من أي شيء آخر، تخلي يهوشاع عن فكرة الدولتين. يبدو أن جواب هذا السؤال مفهوم ضمنا، هناك الكثير من الرمزية في أنه إلى جانب الجزء الثاني من مقال يهوشاع في هآرتس، استوطن على صفحات ملحق هآرتس شمعون ريكلين (في مقابلة أجرتها معه هيلو غلازر) أحد المتحدثين المتعصبين باسم الصهيونية التبشيرية المستوطنة، التي تعبر عن النقيض الكامل للرؤية الطبيعية للصهيونية السياسية –الرؤية التي طرحها هرتسل والتي اختار يهوشاع أن يبقيها غير كاملة. حقا إن شمعون ريكلين وبتسلئيل سموطريتش ويانون ميغال وأريئيل سيغل وأمثالهم- كل أولئك الذين يشوهون الصهيونية الحديثة، الذين يختار بقايا اليسار الصهيوني، وللأسف، عدم مواجهتهم أيديولوجيا – هم أول نت سيصفقون ليقظة يهوشاع وأمثاله من “هذيان الدولتين”، والتلويح بأقواله لتشجيع جمهور مؤيديهم الذي يتسع اكثر فاكثر ويسير في طريق الضياع نحو دولة الأبرتهايد.
​ولكن ما زال الوقت غير متأخر للاستيقاظ من “أحلام اليقظة”. بإمكان يهوشاع التراجع. ويستطيع أن يستكمل المنطق الداخلي لرؤيته الطبيعية القومية، من خلال طرحها بصورة واضحة على أساس النضال ضد غريزة التدمير الذاتي الاستيطاني التي تقضم الصورة الإسرائيلية الرسمية، وأن يعيد رفع علم الدولتين مجددا. عليه فعل كل ما في استطاعته ليس لأن حل الدولتين هو أكثر واقعية من حل الدولة الواحدة، بل لأنه يعبر بصورة أكثر إخلاصا لمبدأ المساواة العادلة لحق تقرير المصير للشعبين – الإسرائيلي والفلسطيني –ومبدأ التطبيع الذاتي للحلم السياسي الصهيوني بشأن دمج القومية اليهودية الحديثة في أسرة الشعوب الحرة التي تحافظ على “قانون الشعوب” – هذان المبدآن الأساسيان اللذان نأمل أن يواصل يهوشاع الإيمان بهما. هل سيكون من المبالغ فيه أن نتوقع من مفكر كبير مثله أن يكون صادقا مع نفسه وألا يخدم الأعداء والمخربين لحلم الطبيعية القومية الصهيونية، الذي كان دائما عزيزا عليه.
الرسالة في ماليزيا يدوي صداها في طهران
تحت هذا العنوان يكتب يوآب ليمور، في "يسرائيل هيوم"، أنه ​كان من الطبيعي توجيه إصبع الاتهام باغتيال رجل حماس فادي البطش إلى إسرائيل. فقد تبين أن المهندس الغزي، من مخيم جباليا، لم يهتم فقط بالتعليم وبالدعوة الدينية كما تم الزعم في البداية، بل عمل بالبحث والتطوير لوسائل قتالية لحماس – لا سيما الطائرات غير المأهولة.
​لم تخف إسرائيل سياستها في هذا الموضوع أبدا. لا تلك التي تتعلق بتطوير الوسائل القتالية المتطورة لدى منظمات الإرهاب، ولا تلك التي تتعلق بضرب أعدائها. فالمعركة ضد الإرهاب لم تنحصر أبدا في المنطقة نفسها. صحيح أن إسرائيل اغتالت في أكثر من مرة نشطاء إرهاب وخبراء في القطاع، وضربت البنى التحتية للإنتاج بل ومنظومات السلاح، ولكن بالتوازي عملت أيضا، في ساحات بعيدة كي تشوش وصول الوسائل القتالية إلى غزة والمس بمن يشارك في إنتاجها ونقلها.
​النماذج لا تنقص. بعضها كانت عمليات علنية – وضع اليد على سفن محملة بالصواريخ ووسائل قتالية أخرى، بعضها خفية – مصادر أجنبية ربطت إسرائيل بسلسلة من العمليات ضد منشآت وشخصيات. والنماذج البارزة في السنوات الأخيرة، كانت تصفية محمود المبحوح، مسؤول حماس الذي أدار شبكة تهريب السلاح إلى القطاع، وتم اغتياله في دبي في 2010، ومحمد الزواري، الذي عمل على تطوير الطائرات غير المأهولة واغتيل قبل سنة ونصف في تونس.
​يمكن الافتراض بانه كانت هناك عمليات أخرى، لم يتم حل لغزها أو لم يكشف عنها. فليس هناك دوما مصلحة للمصاب في الاعتراف بانه مخترق استخباريا وعسكريا، وانه لم ينجح في الدفاع عن رجاله، وليس لدى الجانب الضارب دائما مصلحة في كشف أعماله والمخاطرة بالانتقام منه. من المعقول أن هذا لن يحصل هذه المرة: فحماس ضعيفة وتم ردعها بشكل يصعب عليها الرد، ولديها أسباب أكثر وجيهة لمحاربة إسرائيل، من مجرد تصفية أحد رجالها.
​من هنا فإن الخطر الأساسي الكامن في مثل هذه التصفية يواجه أساسا من ينفذونها. لماليزيا إيجابيات ونواقص من حيث مكان النشاط: فمن جهة، دولة إسلامية معادية (نسبيا)، بعيدة، مع غلاف إنقاذ مركب؛ ومن جهة أخرى، دولة ذات أجهزة امنيه ضعيفة، كثرة الأجانب الذين يوفرون إمكانية سهلة للاختفاء في أوساطهم، وفي الأساس، خيارات عديدة للهرب البري والجوي.
​الغلاف أكثر تعقيدا من التصفية
​عملية المصادقة على مثل هذه العملية تتضمن مراحل عديدة. تبدأ بلجنة قادة الأجهزة الأمنية - التي تضم رؤساء الموساد، الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية – التي تتولى أهداف جمع المعلومات وبعد ذلك التصفية، وتتواصل في جملة مداولات وإقرارات في داخل الهيئة المنفذة والقيادة السياسية. دروس الماضي، لا سيما من محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل في الأردن، تولي أهمية خاصة لمكان التصفية: البطش كان سيسافر إلى مؤتمر في تركيا، وبعدها إلى لندن. من المعقول أن من اغتاله قرر الامتناع عن مواجهة علنية مع اردوغان، وبالتأكيد مع بريطانيا – الحساسة جدا للموضوع على خلفية المس بالجواسيس الروس السابقين على أراضيها.
​من هنا فإن ماليزيا، رغم نواقصها، هي هدف مريح نسبيا للعملية. وفي الغالب، فإن جانب الاغتيال هو الأقل تعقيدا في العملية. فالغلاف حولها أكثر تعقيدا بكثير: جمع المعلومات عن الهدف والذي يستغرق أحيانا سنوات – عن عاداته، عن مكان سكنه وعمله، ولاحقا اختيار مكان المس به لتقليص الضرر العام وتقليص الخطر على المنفذين، وكذلك إعداد الغلاف – توثيق العملية وشكل الدخول إلى الدولة والهروب منها.
​لا يوجد جهاز استخبارات لا يواجه أوجاع رأس كهذه قبل العمليات. من المعقول أن مواضع القلق الإسرائيلية أكبر بكثير. فلا يتجول جاسوس أو مغتال في العالم بهويته الحقيقية، ولكن الأمريكيين، البريطانيين والروس يمكنهم أن يصدروا لرجالهم جوازات سفر أصيلة على أسم آخر؛ أما إسرائيل، حسب منشورات اجنبيه في الماضي، فتعتمد على جوازات سفر أجنبية – وتبعا لذلك – على هويات مقترضة. كانت هذه هي الحالة دوما، ولكن العصر التكنولوجي الجديد يخلق هنا أيضا أوجاع رأس غير بسيطة. فنشر صور أعضاء الخلية التي اغتالت المبحوح في دبي، كما التقطتها كاميرات الحراسة في أرجاء العمارة، أوضح أن شيئا ما تغير؛ وجانب إطلاق النار بالمسدس هو جانب هام ولكنه بعيد عن أن يكون الأساس إذا كان يراد ضمان سلامة المنفذين ومنع تعرض إسرائيل للحرج السياسي.
​من هنا يمكن الافتراض أن الصور التي نشرتها شرطة كوالا لامبور لن تكشف هوية المنفذين، وانه بخلاف فرضية العمل الماليزية – فانهم غادروا الدولة بعد وقت قصير من عملية الاغتيال، وعلى أي حال باتوا يتواجدون منذ أيام عديدة في مكان آمن.
​تهديدات ونوايا
​تعتبر إسرائيل دولة مؤيدا جدا للاغتيالات، كسياسة. لم يكن فيها أي رئيس وزراء تجاوز الالتزام المتآكل بأننا "سنطارد العدو في كل مكان وفي كل زمان”. كانت هناك فترات تواترت فيها العمليات، وفترات أخرى شحيحة. وقد نبع هذا أساسا من طبيعة رئيس الوزراء ورؤساء الموساد الذين عملوا تحت إمرته ومن نتائج العمليات السابقة: فالنجاحات زادت الشهية وسهلت إقرار المزيد من العمليات فيما تسببت الإخفاقات بالجمود وبوقف النشاط.
​وهكذا، حدث أن الموساد مر بعد قضيتي مشعل والمبحوح، بفترات جفاف في كل ما يتعلق بنشاط وحدة الاغتيالات “كيدون”. وفي المقابل، فان تصفية عماد مغنية، التي نسبت لإسرائيل، أدت إلى فترة ازدهار للعمليات، والتي ارتبطت إسرائيل بجملة منها، بما في ذلك تصفية عدة علماء ذرة بارزين في إيران. ومع ذلك، يبقى الحديث عن عمليات يصادق عليها بتقنين، وبشكل مفصل، وتحظى بحرص تنفيذي وسياسي زائد – على خلفية إمكانية التورط الشاذ فيها، الذي يمكن أن يكلف حياة المنفذين والضرر السياسي غير البسيط لإسرائيل.
​يخيل أن إسرائيل تشعر الآن بحرية نسبية في العمل، ولا سيما حيال حماس. فلمثل هذه التصفيات أثر ثلاثي: فهي تخرج من اللعب محافل خطيرة، تردع العدو، الذي يفهم بانه مخترق ومهاجم، وبالتالي مطالب بان يستثمر أكثر في الدفاع، وهي تشير إلى جهات أخرى بان إسرائيل مصممة على الوقوف عند مبادئها ولن تتردد في اغتيال من يهددها.
​العنصران الأولان ذوا صلة بحماس في الأساس. فليس فقط فقدان خبير سلاح يمكن الافتراض بانه لا يوجد الكثير من أمثاله، بل الاعتراف، مرة أخرى، بانها مخترقة من قبل إسرائيل، في غزة وفي أرجاء العالم. هذا لن يدفع حماس لان تتخلى عن سياستها. فالمنظمة ستواصل البحث عن السبل لتطوير الوسائل القتالية التي تهدد إسرائيل، والخبراء الذين يساعدونها في ذلك، ولكن فقدان شخص مركزي كهذا يفترض التوقف، التعلم والتغيير في أساليب العمل.
​ويتعلق العنصر الثالث بإيران، بشكل خاص، التي تخوض إسرائيل معها الآن، معركة علنية. الرسالة التي تخرج عن عملية الاغتيال في ماليزيا هي أن إسرائيل ستعمل ضد من يعرضها للخطر. هذا صحيح بالنسبة لرجال حماس في ماليزيا، وكذلك للإيرانيين في سوريا. يدور الحديث عن حالتين مختلفتين جوهريا بالطبع، ولكن في الشرق الأوسط، لا تمنع التهديدات والنوايا الحاجة إلى العمل. ينبغي للمرء أن يكون متفائلا جدا كي يصدق بان هذا ما سيوقف إيران، ومع ذلك - لا يزال من المعقول أن صدى الرسالة من ماليزيا سيدوي في طهران أيضا.

التعليـــقات