رئيس التحرير: طلعت علوي

لماذا يقوم أبناؤنا بتمزيق كتبهم؟

الخميس | 18/05/2017 - 05:54 صباحاً
لماذا يقوم أبناؤنا بتمزيق كتبهم؟


د. سعيد بن على العضاضي

 

 

تابعنا جميعا ما ورد في مقطع الفيديو المتداول المتضمن قيام مجموعة من طلاب مدرسة أبو بكر الرازي في منطقة تبوك بامتهان الكتب والدفاتر المدرسية، بعد نهاية يومهم الدراسي في الشارع المجاور للمدرسة. وعلى أثرها قام وزير التعليم بإعفاء مدير المدرسة.

يجب أن يعرف الوزير أن تمزيق الكتب تقليد أصيل في أغلبية مدارس التعليم في بلادنا، وليس حكرا على مدرسة أبو بكر الرازي. فمثل هذا السلوك نراه أيام الاختبارات في أغلبية المدارس، بل في الجامعات أحيانا، كما أن هذه ليست الحادثة الأولى التي تم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قام طلاب مرحلة ابتدائية قبل نحو سنتين بعمل مشابه حينما قاموا بتمزيق كتبهم أمام بوابة مدرسة في حي النظيم في الرياض.


وقد كتبت في حينه مقالا عن هذا السلوك المشين، وأريد هنا أن أعود للموضوع مرة أخرى وسأستعين ببعض الأفكار التي سبق أن طرحتها من قبل لأن الحالة تكررت ولم يتخذ حيالها حل جذري يعيد أبناءنا إلى صوابهم. أنا لم أتعجب من تمزيق الكتب فهذه ظاهرة وسلوك متوارث في مدارسنا، ولكنني أتعجب من دهشة البعض من ظاهرة تمزيق الكتب المدرسية وكأنها دخيلة على أبنائنا وبناتنا، وكأن الرأي العام لا يعرف أن طلابنا يمارسون هذا السلوك المشين منذ زمن حتى أصبح أحد عناصر الثقافة التنظيمية في المدارس. كما أن موضة التخريب هذه ليست محصورة في تمزيق الكتب بل تعدته إلى الكتابة على جدران المدرسة من الداخل ومن الخارج وحفر ذكرياتهم على الماصات والكراسي بآلات تستحضر خصيصا لهذا الغرض، كما وصل هذا التخريب أجهزة الحاسب الآلي والمعامل وأجهزة العرض والكراسي التي أعدت للاسترخاء في الممرات.


لقد كان من المفترض قبل اتخاذ قرار إعفاء قائد المدرسة أن يسأل الوزير نفسه ومن حوله هذا السؤال: لماذا يقوم طلابنا في المدارس والجامعات بهذا التخريب المتعمد لمكونات البنية التحتية للمؤسسات التعليمية؟ وبدوري سأسهم في هذا وسأذيل مقالي هذا ببعض الأسباب التي أراها وراء هذا السلوك المعيب التي سبق أن ذكرت بعضها من قبل. أول سبب من وجهة نظري عدم إدراك الطالب أهمية المقعد الذي يشغله ويرى أن هذا حق مكتسب. كما أن كثيرا من الطلاب ينظرون إلى البيئة المدرسية على أنها معتقل، وليست روضة مقدسة لتلقي العلوم والمعارف والآداب لأن بعض مباني مدارسنا غير محفزة للتعليم، فلا يوجد ما يشجع الطالب على الوئام؛ فلا مكان فيها للترفيه أو المتعة ولا يوجد متنفس لهم سوى كرة القدم التي يمارسونها بعد عراك مع المدرسين وقد يحرم منها بعضهم.


وقد يكون للطلاب حق بعض الشيء فالبيئة المدرسية لدينا غير محفزة وجامدة بل طاردة ما يرسخ في ذهن الطلاب ذكرى مريرة بسبب ما يمارس عليهم من العنف خصوصا في المراحل المبكرة من التعليم من قبل المعلمين ولم يجدوا فرصة للانتقام عندما شبوا عن الطوق إلا بتمزيق الأوراق والكتب والعبث بمكونات البنية التحتية للمؤسسة التعليمية. السبب الثالث الذي أراه وراء تخريب مرافق البيئة المدرسية يتمثل في مكوناتنا الثقافية بشكل عام (أقصد الثقافة خارج البيئة المدرسية) حتى أصبح التخريب وعدم احترام المرافق العامة جزءا من ثقافة بعض الأسر السعودية.


عندما نلاحظ بعض الأسر السعودية (وليس الكل بطبيعة الحال) وهي تتنزه في الشواطئ أو تحت ظلال الأشجار كيف تترك المكان الذي استمتعت فيه بوقتها تتركه ملوثا مليئا بالقاذورات وبقايا الطعام ومخلفات الرحلة؛ فلا يكلف رب الأسرة نفسه أو بنيه بلملمة القاذورات ووضعها في سلة المهملات فيتركون المكان متسخا قذرا ملوثا، بحجة أن هناك جهات مخصصة تتولى هذا العمل، ولو تبقت معهم نفايات وقاذورات عند عودتهم إلى المنزل فلا حرج في أن يلقوا بها من نافذة السيارة. عندما يتربى الطفل في أسرة لا تحترم المكان العام ولا تراعي مبادئ النظافة ولا تكلف نفسها تنظيف المكان الذي وجدت فيه، فكيف نتوقع من الطفل عندما ينتقل إلى بيئات أخرى كالمدرسة أو الجامعة؟! والشاعر يقول:


وينشــــأ ناشئ الفتيـــــان فينـــــا
علــــــــى مــــــــا كــــــــان عوده أبـــــوه
والذي يحير الألباب ويفتق العقول أن بعض أولياء الأمور وأرباب الأسر الذين يمارسون التخريب في المرافق العامة قد تظهر عليهم ملامح التدين والالتزام.
هذه بعض الأسباب التي أراها وراء جنوح أبنائنا وتعمدهم إهلاك البنية التحتية للمدارس والجامعات والمرافق العامة، وبالتأكيد هناك أسباب أخرى قد يراها المعلمون والقياديون التربويون من مديرين ووكلاء ومشرفين تربويين. نتمنى من الوزير أن يكون أكثر عمقا في دراسة وتحليل مثل هذه الظواهر وألا يلجأ إلى أبسط الحلول فيعفي قائد مدرسة أو ينهي عقد موظف على بند الأجور أو أي من هذه القرارات التي تزيد الأمر تعقيدا ولا تحل المشكلة من جذورها.

التعليـــقات