رئيس التحرير: طلعت علوي

تأثير المركبات الكهربائية في النفط مبالغ فيه

الأربعاء | 12/04/2017 - 06:25 مساءاً
تأثير المركبات الكهربائية في النفط مبالغ فيه

د. نعمت أبو الصوف

 

 

في بداية انهيار أسعار النفط في عام 2014، كثيرا ما أشير إلى أن تراجع الطلب على النفط أسهم بصورة رئيسة في الانخفاض الحاد في أسعار النفط. على سبيل المثال، في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن "التباطؤ الأخير في نمو الطلب ملحوظ". وفي تقريرها لتوقعات النفط على المدى المتوسط الأجل الصادر في شباط (فبراير) 2015، ضاعفت ووسعت الوكالة أطروحتها حول ضعف الطلب. حيث إن، الاقتصاد العالمي، الذي أعيد تشكيله من خلال ثورة تكنولوجيا المعلومات، أصبح أقل كثافة في استهلاك الوقود عموما. والمخاوف المتعلقة بتغير المناخ أعادت صياغة سياسات الطاقة. وتوسع أسواق الغاز الطبيعي، مقرونة بالتخفيضات الحادة في تكلفة وتوافر الطاقة المتجددة، ما جعل النفط يواجه مستوى من المنافسة من أنواع الوقود لم تكن موجودة قبل بضع سنوات. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون تأثير الانخفاض الأخير في الأسعار هامشيا على نمو الطلب العالمي على النفط لما تبقى من هذا العقد. وقد تم تنقيح توقعات نمو الطلب على النفط هبوطا وليس صعودا، منذ انخفاض الأسعار، تمشيا مع توقعات صندوق النقد لنمو الاقتصاد العالمي؛ من المتوقع أن يتباطأ نمو الطلب بشكل ملحوظ ليصل إلى 1.1 مليون برميل في اليوم على مدى السنوات الست المقبلة، من معدلات النمو الطبيعية السائدة قبل الأزمة المالية 2008 - 2009. لم تكن وكالة الطاقة الدولية وحدها في هذا الطرح؛ حيث كانت العناوين والمقالات في السياق نفسه سائدة في المراحل الأولى من انهيار أسعار النفط. لكن، بعد انتهاء هذه الموجة، وتحقق الوكالة من توقعاتها السابقة، لاحظنا أنه لم يحدث أي انهيار فعلي في الطلب على النفط، بل ما حدث هو تسارع نمو الطلب على النفط بشكل ملحوظ منذ الأزمة.

قبل الأزمة، كان معدل نمو الطلب العالمي على النفط بما في ذلك سوائل الغاز الطبيعي يبلغ 1.15 مليون برميل في اليوم، وقد تسارع الطلب منذ ذلك الحين ليصل إلى 1.8 مليون برميل في السنة، وعام 2016 كان يخضع لتنقيحات تصاعدية. وكان هذا الطلب متوقعا وفقا لنتائج الدراسات بخصوص مرونة الطلب المتاحة في ذلك الوقت. في نيسان (أبريل) 2011، نشر صندوق النقد الدولي دراسة حول مرونة أسعار النفط لمدة 20 عاما، خلصت إلى أن زيادة أو نقصانا بنسبة 10 في المائة في أسعار النفط تسفر عن تغير بنسبة 0.019 في المائة في استهلاك النفط على المدى القصير وتغير بنسبة 0.072 في المائة على المدى الطويل. بين عامي 2011 و2014 بلغ متوسط أسعار خام النفط برنت 107 دولارات للبرميل، بعد انهيار الأسعار انخفض المتوسط إلى 48 دولارا للبرميل في عامي 2015 و2016، أي انخفاض بمعدل 56 في المائة. تطبيق نتائج صندوق النقد الدولي على هذا الانخفاض في الأسعار يدفع إلى تسارع نمو الطلب على النفط بنسبة 1 في المائة في عامي 2015 و2016 مقارنة بمتوسط نمو الطلب قبل الأزمة، هذا هو بالضبط ما حدث.

وإذا عدنا إلى معدلات النمو التاريخي للطلب على النفط، فإننا نلاحظ أن نمو الطلب قد تسارع بالفعل في عام 2015 بنحو نقطة مئوية واحدة إلى 2.15 في المائة مقابل 1.27 في المائة قبل الأزمة. وقد تباطأ متوسط نمو الطلب لعام 2016 ليصل إلى نمو قدره 1.7 في المائة، لكن بيانات الطلب لعام 2016 لا تزال أولية، ومن المرجح أن تنقح أعلى، حيث إن وكالة الطاقة الدولية لديها تاريخ معروف من التنقيحات الصعودية الكبيرة. وإضافة إلى ذلك، نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2016 كان أبطأ. واحدة من أقوى الحجج ضد النمو المطرد في الطلب على النفط هو النمو المستمر والمتوقع في أسواق السيارات الكهربائية، وهو اتجاه مدفوع من قبل اثنين من العوامل الرئيسة: الابتكار التكنولوجي والسياسات الداعمة.

الأول لا يزال عاملا مؤثرا، ولكن السياسات الداعمة أمر مشكوك فيه. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة التي تمتلك نحو 34 في المائة من أسطول المركبات الكهربائية العالمي، ليس من المتوقع أن تحقق الأهداف الموضوعة في نمو المركبات الكهربائية في ظل الإدارة الأمريكية الحالية. تهدف اتفاقية باريس المناخية إلى الحصول على 100 مليون سيارة كهربائية على الطريق بحلول عام 2030 أو ما يقرب من 6.6 في المائة من أسطول السيارات المتوقع في العالم بحلول ذلك الوقت، وهذا الهدف يعادل زيادة بمعدل 11 ضعفا في أسطول المركبات الكهربائية العالمي. هذه الأرقام تبدو مثيرة للإعجاب، إلا أنها لا تترك أثرا يذكر في الطلب العالمي على النفط حتى إذا تحققت.

ووفقا لتوقعات شركة بريتيش بتروليوم للطاقة على المدى الطويل، فإن إدخال 100 مليون سيارة كهربائية على الطريق بحلول عام 2035 سيقلل من الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل فقط. وهذا الرقم ضئيل عند تطبيقه على كامل فترة التوقعات، ناهيك عن تحقيق هدف 100 مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030 هو غير مؤكد للغاية، مع قيام الولايات المتحدة والصين الحد من إعانات المركبات الكهربائية والقضاء عليها. ومن الجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية السابقة استثمرت بكثافة منذ عام 2009 لتحقيق هدف مليون سيارة كهربائية على الطرق الأمريكية بحلول عام 2015، وانتهى الأمر بتحقيق 40 في المائة فقط من هذا الهدف، وهذا الرقم يشمل أيضا 200 ألف سيارة هجينة. باختصار، إن أهم متغير على الطلب على النفط من قطاع النقل والمواصلات هو التغييرات في معايير كفاءة الوقود وليس المركبات الكهربائية. في هذا المجال، تعتبر الولايات المتحدة متأخرة بشكل واضح.

التعليـــقات