رئيس التحرير: طلعت علوي

استقرار النفط بين العرض والطلب

الثلاثاء | 14/03/2017 - 07:24 صباحاً
استقرار النفط بين العرض والطلب

وليد خدوري 

 

لا تزال أسعار النفط مستقرة، وتراوحت أسعار «برنت» بين 50 و55 دولاراً للبرميل منذ 12 كانون الثاني (يناير). لكن لماذا هذا الاستقرار في أسواق النفط، فيما تشهد أسواق العملات الصعبة والمعادن النفيسة تذبذبات يومية؟
اتفقت المؤسسات العالمية المتخصصة بالطاقة، مثل وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك»، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المتخصصة، مثل «ميس» و «رويترز» و «بلومبرغ»، على حقيقة الالتزام الكبير لبلدان «أوبك» بسياسة خفض الإنتاج لسحب فائض الإمدادات من المخزون التجاري العالمي. وعلى رغم تباين الأرقام بين المصادر حول حجم الخفض، دلت الأرقام على ان «أوبك» التزمت ما يزيد عن 80 - 90 في المئة من الكمية التي تعهدت بخفضها.


وأشارت مصادر إلى ان السعودية خفضت أكثر من الـ 10 ملايين برميل يومياً التي تعهدتها، الأمر الذي ساهم في الاستقرار السعري. وأبلغت السعودية «أوبك» ان إنتاجها خلال كانون الثاني (يناير) بلغ نحو 9.748 مليون برميل يومياً. كذلك، تشير المصادر ذاتها إلى التزام الدول الـ 11 غير الأعضاء في المنظمة والتي وافقت على المشاركة في خفض الإنتاج، خصوصاً روسيا.
وساعد على الاستقرار وارتفاع الأسعار ان إنتاج النفط الصخري الأميركي لا يزال ينمو في شكل محدود، على رغم ارتفاع الأسعار من نحو 30 إلى 55 دولاراً للبرميل، وعلى رغم ازدياد عدد حفارات النفط العاملة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يدل على ان زيادة عالية في إنتاج النفط الصخري تتطلب وقتاً ليس قصيراً.


وعلى رغم أهمية خفض الإنتاج، ثمة عامل ثانٍ يؤدي دوراً مهماً في استقرار الأسعار وارتفاعها، وهو زيادة الطلب العالمي على النفط. وأشارت «أوبك» إلى ذلك في تقريرها الشهري الأخير حول الأسواق.
وتشير معلومات المنظمة إلى ان زيادة الطلب هذه ليست ظاهرة جديدة، بل إنها بدأت عام 2015. ومن المحتمل جداً ان تدهور سعر النفط منذ النصف الثاني من 2014 أدى إلى بروز هذه الظاهرة. إلا ان ما يلفت النظر هو استمرار زيادة الطلب حتى بعد ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الأخيرة.


وتفيد معلومات «أوبك» بأن زيادة الطلب العالمي كانت نحو 1.3 في المئة خلال 2015 و 2016. وتشير المعلومات إلى بعض المتغيرات التي طرأت على الأسواق خلال هذه الفترة، منها زيادة الطلب على النفط في قطاعي البتروكيماويات والمواصلات في الدول الناشئة في آسيا وحتى في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية، والسبب انخفاض الأسعار. واستحوذ الاستعمال المتزايد لوقود المواصلات (البنزين والديزل) في زيادة نسبة استهلاك النفط خلال 2016، بالإضافة إلى ارتفاع مبيعات السيارات، بالذات في كل من أوروبا والصين. في نفس الوقت، انحسر الطلب على النفط في دول أميركا اللاتينية والشرق الأوسط بسبب الانكماش الاقتصادي، فيما ازداد في شكل ملحوظ استبدال استعمال المنتجات النفطية بالغاز الطبيعي في العديد من الدول، بالذات في توليد الكهرباء.


وتتوقع «أوبك» ان تسجل نسبة زيادة الطلب على النفط الخام في 2017 نحو 1.2 في المئة، وهي أعلى من معدلات الزيادة لفترة العشر السنوات الماضية، والتي كانت بحدود 1 في المئة سنوياً. وتفترض «أوبك» لعام 2017 ان يتحسن الأداء الاقتصادي العالمي فيه نحو 3.2 في المئة. وتتوقع «أوبك» ان يرتفع النمو الاقتصادي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية الغربية) عام 2017 عن عام 2016. وترجح ان تشكل زيادة استهلاك وقود المواصلات للسيارات العامل الرئيس لزيادة استهلاك النفط العالمي، خصوصاً بسبب زيادة مبيعات السيارات في كل من الولايات المتحدة والصين وأوروبا والهند.
ثالثاً، سيؤدي توسع الصناعة البتروكيماوية في الولايات المتحدة والصين إلى زيادة استهلاك اللقيم لتغذية هذه الصناعات. لكن في مقابل هذه العوامل الإيجابية لزيادة استهلاك النفط، تتوقع «أوبك» أيضاً ان يؤدي التقدم المستمر في مجالات التقنية إلى ترشيد الاستهلاك ومن ثم تقليص نسب الزيادة السنوية لاستعمال النفط. وتبرز هذه الظاهرة لتقليص الاستهلاك في شكل خاص في قطاع المواصلات، أكثر من قطاع المواد الكهربائية المستعملة في المنازل. ويتوقع كذلك ان تؤدي القرارات المتزايدة لتقليص الدعم الحكومي للوقود إلى خفض نسب زيادة استهلاك النفط. ويؤخذ في الاعتبار الاتجاه المتصاعد لإحلال بدائل الطاقة المختلفة محل استهلاك المنتجات النفطية.


وفي ما يتعلق بالمنتجات النفطية المختلفة، تتوقع المنظمة ان تقود الدول الناشئة الزيادة في استعمال وقود المواصلات. وسيشكل استهلاك البنزين نحو 0.51 مليون برميل يومياً من زيادة الطلب على المنتجات النفطية عالمياً. وستلي زيادة في استهلاك وقود الطيران (الكيروسين) المرجح ان يشكل 0.15 مليون برميل يومياً، ثم زيادة في وقود الديزل المخصص للمواصلات تبلغ نحو 0.08 مليون برميل يومياً.


وتتوقع «أوبك» ان يزداد الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو 0.2 مليون برميل يومياً. وترجح استمرار زيادة الطلب في دول العالم الثالث عند نحو 1.0 مليون برميل يومياً، خصوصاً في الدول الآسيوية الناشئة.
إن المؤثر الأهم في ميزان العرض والطلب في المدى القصير هو حجم الإمدادات. وتترقب الأوساط النفطية المدة التي ستلتزم فيها الدول المنتجة تعهداتها، خصوصاً احتمال محاولة بعض الدول زيادة الإنتاج لو امتد التجميد فترة طويلة. وهذه مشكلة مزمنة في الأسواق النفطية العالمية. ويجب على الدول المنتجة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تفك اعتماد البلاد على الريع النفطي وتعدد القطاعات الإنتاجية. فأنماط الطلب على النفط لا تتغير بسرعة. ومن ثم لا يتوقع ان يؤثر هذا العامل في الأسواق في المستقبل المنظور.

التعليـــقات