رئيس التحرير: طلعت علوي

لماذا دبي؟

الإثنين | 16/05/2016 - 10:15 مساءاً
لماذا دبي؟

آن بنت سعيد الكندي

 

«لو قلنا للعاقل المتزن قبل 15 سنة إننا نفكر بتطوير السياحة في دبي لكان (طاح على ظهره من الضحك)، كما نقول في الخليج».

الشيخ محمد بن راشد من كتاب «رؤيتي».

نذهب بعيداً جغرافياً لنحاول فهم النماذج الاقتصادية العالمية الناجحة، وهي مدن تختلف عنا في كثير من المعطيات أهمها الدين والعادات والتقاليد، ناهيك عن الأوضاع الجيوسياسية.

هل وقفنا يوماً لنرى بعين الناقد لنعي بموضوعية ماذا يعني نموذج دبي الاقتصادي، ما له وما عليه؟ ليس هناك نموذج تنموي قابل للاستنساخ، لكن علينا أن نفهم الفكر وراء ما نرى في دبي، فما عدا الفكر فهي تفاصيل ثانوية.

تُقدّم دبي ما يفتقده غيرها من البلدان في مفهوم التطوير العمراني. هل هناك سر في دبي أم هو فن اقتناص الفرص؟ لم تتقن المدن حتى المتقدمة منها فن تلبية الحاجات والرغبات. عندما تقدم شيء ما يجب أن تسأل نفسك ما الذي يجذب الناس إليّ و ليس لغيري؟

ماذا أقدم لهم غيري لم يقدمه؟ التكرار لا يمكن أن يعطيك ميزة تنافسية Competitive advantage، بل الابتكار فيما تقدم لتخرجه عن قالبه النمطي. أخلق الميزة التنافسية فإن لم تكن لديك فإنك غير مؤهل للمنافسة أصلاً.

نجحت دبي في ظل تجاهل الآخرين أهمية تلبية المتطلبات والحاجات والتوقعات، وبطء تجاوب الآخرين مع سرعة إنجازات دبي مفضلين الركون لمقولات الحِكم الإدارية القديمة من دون تفنيدها. تعلم دبي أنها ما لم تبهرك بتجديد مستمر فلن تعطيك إحساس الديناميكية والحس النابض بالحياة.

هناك ثلاثة أسباب تجعلني أذهب إلى دبي:

التميز في أسلوب الضيافة: ليس لدى مدن سياحية كبيرة المرافق Facilities المتوافرة في فنادق دبي. تحشر نفسك في غرفة فندقية ضيقة في أوروبا وبسعر ليس برخيص وتوفر لك بعض ما توفره فنادق دبي بالسعر نفسه.

وما أن تبحث في الإنترنت عن السياحة العائلية إلا وتجد مواقع كثيرة باللغتين العربية وحتى الإنكليزية تشيد وبالأنشطة الترفيهية الكثيرة للأطفال، علماً بأنه وبحسب إحصاءات المركز الخليجي فإن نسبة الأطفال حتى 14 سنة تمثل 29 في المئة من إجمالي سكان دول الخليج بحسب تعداد 2010، فماذا وفرت دول الخليج لجيل الأيباد الذي حتماً لا يلفت انتباهه الترفيه التقليدي؟

التسوق: يلبي المستويات الرخيصة والمتوسطة والغالية الثمن كافة، وبتنوع عجيب. الأهم أنها قدمت مفهوماً جديداً للتسوق، بحيث ربطت إقامتك بأكبر وأجمل وأحدث المولات التجارية، وجميع ما تحتاجه تحت سقف واحد، حتى لا تفكر بالبديل.

إضافة إلى نقطة في غاية البساطة، والتي ما زلنا متغافلين عن أهميتها، وهي نظافة السبع نجوم لدورات المياه في المرافق العامة.

اختر أي خط بري من أي دولة في دول الخليج نزولاً من أقصى الشمال إلى الجنوب، وأخبرني إن وجدت دورة مياه نظيفة!

نظافة دورة المياه تعكس تحضر الشعوب، لذا لم يقم مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو من فراغ بمخالفة من لم يشد السيفون.

تبدو نقطة لا تستحق الذكر لكنها نموذج مثالي لاستخدام علم النفس لمعرفة نقاط التأثير، فما يحرك الإنسان هو ما يلامس حاجاته اليومية البسيطة. لابد أن تدخل في تفاصيل التفاصيل لتستطيع أن تروّج للسياحة بشكل استثنائي.

أسلوب الحياة: lifestyle

تخيل أنك في عمق الجزيرة العربية لم يحالفك الحظ لترى مدن العالم، فأي مدينة الأقرب إليك التي في رأيك ستعطيك طعم العالمية؟ وتعيش في أجواء مختلفة عن ما اعتدت عليه؟ اليوم إذا لم تزر باريس ولندن ونيويورك وسنغافورة فأنت لم تر الكثير، لكنك إن زرت دبي فقد اختصرت مسافات كبيرة لتجرب إحساس العالمية.

تنشد أجيال اليوم نمط الحياة العصري العالمي الذي قد لا توفره مدن الخليج، وحرية البعد عن بعض تزمت العادات والتقاليد البعيدة عن جوهر الدين الحنيف، والتي تحرم عوائلهم حتى من الاستمتاع المشروع، وهنا مربط الفرس مهما حاولنا أن نغالط أنفسنا.

هناك اليوم مفهوم «المواطن العالمي»، الذي هو أحد نتائج العولمة التي محت كل الحواجز، يأكل فطوره في لندن و يتغدى في دبي، إلا أنه يحتاج إلى بيئة تحتضن تعدد الثقافات. فإذا كانت هناك مدن خليجية مؤهلة لمشروع شبيه ما الذي يعيقها؟

ماذا تقدم لك دبي ما بعد ساعات العمل؟ هي صناعة الترفيه والنظرة التكاملية، إذ إنك اليوم لا تستطيع أن تستقطب أفضل العقول اليوم لمجرد أنك تدفع راتباً مجزياً. هذه العقول تبحث عن ما هو أكبر من ذلك.

باختصار أعادت دبي مفهوم الحياة الاعتيادية بمكوناتها الأساسية (العمل، البيت، الترفيه) بقالب جديد عالمي، مبتعدة عن قيود المحلية ووهم الخصوصية.

وهو مطلب لا يمكن التغافل عنه للتنويع الاقتصادي مهما حاولنا أن نضحك على أنفسنا، فالتنويع الاقتصادي يعني تنويعاً حضارياً في المقام الأول.

كانت تلك نظرة السائح والخليجي «المواطن»، الذي لا تنقطع زيارته لدبي على رغم تناقض أرائه عنها، فماذا عن نظرة المستثمر؟ للحديث بقية...

نقلا عن الحياة

التعليـــقات