رئيس التحرير: طلعت علوي

حينما تغضب "القوارير"!

الجمعة | 09/10/2015 - 08:36 مساءاً


مشاركة واسعة للشابات في مواجهات الضفة الغربية

 

 

وفاء عاروري

بأوشحتهن المرصعة برايات الوطن، تشارك الشابات في المواجهات التي تشهدها مدن الضفة الغربية منذ أيام، على نقاط التماس وأمام الحواجز العسكرية وبالقرب من المستوطنات الإسرائيلية؛ ليعبرن عن غضبهن ورفضهن للانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، بحق أبناء شعبنا ومقدساته الدينية، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.

صور ومشاهد كثيرة للشابات، وهن يلقين الحجارة وعبوات المولوتوف على قوات الاحتلال لم يكن أجمل منها، إلا رد الفعل الجماهيري والاعتزاز والفخر الذي أبداه كثيرون، نساء ورجالا، بالمرأة الفلسطينية، التي لم ترض يوما بالذل والهوان، والتي كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من كل الانتفاضات الشعبية والهبات الجماهيرية والقضايا الوطنية، التي نعيش تفاصيلها كشعب تحت الاحتلال، لتنتقل هذه السعادة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا موقع فيسبوك، حيث تداول النشطاء صورهن وزينوا صفحاتهم الشخصية وأغلفتها بملامح "شابات الحجارة".

الشابة "ز. أ" من رام الله، تشارك في المواجهات المندلعة بالضفة الغربية، وتعتبرها رد فعل طبيعي على الظلم والقهر الذي نعيشه بسبب الاحتلال، تقول:" كلما تذكرت أن الشهداء في بلدي يرتقون، وأنا لا أفعل شيئًا أشعر بالعدمية واللا وجود، أو بخيانة دم الشهداء على أقل تقدير".

تضيف بلغة كلها حماسة:" حتى لو كان الحجر لا يعني شيئًا أمام رصاصهم القاتل، إلا أن الخروج عن الصمت ولو بحجر هو بحد ذاته تقدمًا على مسار قضيتنا، بعد سنوات طويلة من الصمت، يكفي لجندي لعين أن يدرك أن الفلسطيني إن غضب، العالم كله لا يستطيع ردعه".

تؤكد الشابة أنها لا تخاف من محاولات اعتقالها أو استشهادها وهي تدافع عن وطنها، بقدر خوفها أن يذهب دمها هدرا، ولا يثأر لها.

"س. ر " طالبة جامعية و تشارك في المواجهات أيضًا تعتبرها" حالة غضب يعيشها الشعب، والنساء جزء أساسي فيه، بل نصفه، ما يوجب عليها الخروج والمشاركة بهذه الحالة."

عن دورها، تقول": نساعد الشباب بإعطائهم الحجارة وبإغلاق الطريق على الجيش وبتوزيع الماء والعطر في حالة وجود اختناق وغاز. تضيف" وأسمى ما نقوم به رفع العلم الفلسطيني في وجوه جنود الاحتلال، واستفزازهم بحقيقة "أن العلم الفلسطيني لن يسقط ما دمنا أحياء."

أهلي لا يعرفون!

وتعتبر "س. ب" مشاركتها في المسيرات التي لا يعلم أهلها بخروجها فيها، أنها واجب كل شاب وشابة فلسطينية، تقول" نريد أن ينتفض قادة الشعب على الذل والهوان الذي نعيشه، والذي لا يمكن لأحد أن يرضاه". تضيف" أهلي لا يعرفون، ومعظم الشابات هنا أيضا لا يعرف أهاليهن عن خروجهن للمواجهات، لأنهم لن يقبلوا، وقلوبهم لن تطاوعهم أن يفقدوا أبنائهم أو بناتهم برصاصة". مؤكدةً أن الشهادة "وسام شرف لا يناله إلا الأحرار، ولا تبالي أن اعتقلت أو استشهدت!".

شريط الانتفاضة النسائي

مشاركة الشابات أعادت بشريط الذكريات الوطني للوراء، إلى الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة، التي اندلعت عام 1987م، وانتفاضة الأقصى 2000م، حيث شاركت فيها النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال.

ولا تزال حكاياتها عالقة في أذهان نساء عاصرنها وقُدنّ المواجهات في ذلك الوقت، كما هو حال نجاح صالح "45 عاما"، من إحدى قرى رام الله، تقول:" كنا نحضر البيانات من المصدر الرئيس ونخرج في أوقات الليل لتوزيعها على أهل البلد، ونتلثم ونكتب عبارات وطنية على الجدران، وكنا نخطط للمسيرة ونحشد لها، ونقودها، ونقرا البيانات ونهتف ونكبر.."

لباس الثائرة.. اللباس المقدس

وفيما يتعلق بنظرة المجتمع لهن تؤكد أنهن كن يتلقين كامل الدعم والمساندة من كافة فئات المجتمع، وكانت النظرة كلها احترام وتقدير."

أما بخصوص اللباس فتقول: كنا نرتدي لباسنا العادي، أو اللباس العسكري و اللثام تماما كالرجال، وكانت نسبة المحجبات فينا قليلة جدا، ولا أذكر يوما أن أحدا انتقد أو تطرق في حديثه لموضوع لباس النساء في المسيرات."

أنعام الفروخ، 53 عامًا، من مدينة الخليل، تعرضت للضرب والتكسير من قبل أحد جنود الاحتلال في الانتفاضة الأولى، تقول: كان جنود الاحتلال في ذلك الوقت لا يجرؤون على التعدي على النساء، لدرجة أن بعض المقاومين كانوا يحتمون بنا عند وقوعهم في خطر، لكن من شدة المواجهات في ذاك اليوم أطلقوا الرصاص بشكل عشوائي، فأصيبت إحدى بناتي، جن جنوني، ولم أعِ كيف حملت زجاجة حارقة "مولوتوف"، وألقيتها تجاههم، في هذه اللحظة هجموا على البيت ضربوني وكسروا يدي واعتقلوا أحد أبنائي."

المرأة: خط أحمر "باهت"

حول يوميات الانتفاضة الأولى، تقول الفروخ:" كانت الانتفاضة في قمة الروعة، بشبابها وبناتها ونسائها ورجالها، كنا وحدة واحدة عصية على الانكسار، لم تكن تفرقنا الأحزاب والفصائل إطلاقا." وتضيف: كنا نراقب الطريق للشباب، ونجمع لهم الحجارة، ونعالجهم أذا أصيب أحدهم، كنا شركائهم في كل خطوة، ولم يقللوا من قدرتنا على المقاومة أو يحجموها يوما.

في الوقت الذي احتلت فيه بعض النساء الصفوف النضالية الأولى، لتنفذ العمليات الاستشهادية وتشارك في رمي الحجارة والعبوات الحارقة، فقد استقرت بعض النساء في بيوتهن في نوع آخر من النضال، كصنع ملابس المقاومين، وتزويدهم بالطعام.

عايدة أبو غيث "68 عاما"، من العيزرية، كانت أم لأسير خلال انتفاضة الأقصى، وتصنع ملابس المقاومين، "الجينزات والستر الجيشية"، وتزودهم بها. تقول أبو غيث: كنت أصنع أقنعة الوجه إلى جانب الملابس، وكان زوجي أيضا ومن خلال عمله كخياط يساعدني في ذلك، وكنت أشارك في الفعاليات والمسيرات قدر المستطاع ."

رغم إيمان أبو غيث بأن قوة وقدرة شابات اليوم أكبر من قدرتهن في ذاك الوقت، إلا أنها ترفض خروج بناتها للمسيرات، من باب الخوف عليهن، وتقول: "أنا مع النضال ولكن ليس بتعريض النفس للخطر، البلد تحتاج من يحيى فيها لا من يموت عليها."

واتفقت أبو غيث بوجهة نظرها هذه، مع المناضلة الأولى، مع بعض التعديل، حيث رفضت صالح المقاومة غير المتوازية "حجر مقابل رصاصة"،  لكل من الجنسين الذكر والأنثى، على اعتبار أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما دورنا النضالي يجب أن يكون أكثر فعالية وأكثر قوة وتنظيما.

 

 نوى



التعليـــقات