رئيس التحرير: طلعت علوي

قناة السويس من ثنائية الاستعمار والحرب الى ثلاثية السيادة والسياسة والاقتصاد

الأربعاء | 05/08/2015 - 01:58 مساءاً
قناة السويس من ثنائية الاستعمار والحرب الى ثلاثية السيادة والسياسة والاقتصاد


رافت الظاهر

يحتفل العالم يوم غد الخميس بافتتاح قناة السويس الجديدة والتي جاء القرار الاستراتيجي بتشييدها بعد ثورة مصر بسندات دين من المصريين للحكومة المصرية وصلت قيمتها اكثر من 61 مليار جنيه مصري في اقل من اسبوع ووفق سقوف محددة لكل مكتتب او مشتري، حيث في حينه امتلات قاعات البنوك بالمكتتبين من عموم ابناء مصر ، الجد والجدة والرجل وزوجته والشاب والشابة وشركات القطاع الخاص وذوي الاحتياجات الخاصة والموظفين والفنانين والسائقين وحتى الطلبة اصطفوا لتحيا مصر ويدعمون بلدهم باموالهم ودمائهم بل ان الجيش ساهم في عمليات حفر ونقل الرمال مما وفر 2 مليار دولار بالاضافة لمهمته الاساسية في حماية الوطن وتعزيز الامان. ان هذا الاحتفال سوف يجري بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفلسطيني الرئيس محمود عباس ابو مازن وعدد كبير من الشخصيات الرسمية والاعتبارية والوطنية المصرية والعربية والعالمية ورجال السياسة والاعمال.


ان انجاز القناة الجديدة بطول 72 كيلومتر وبذات العمق 66 قدم : بين الكيلومتر 61 - 95 وتوسعة تفريعات جزر البلاح والبحيرات المرة بين الكيلومتر 50-122 من ترقيم القناة يساوي 72 كيلومتر من الانجاز وهو قناة السويس الجديدة الموازية للقناة القديمة التي شيدت بفعل الاستعمار وحجمت اعمالها الحروب المتتالية واما قناة اليوم فهي مرحلة مصر جديدة مزدهرة لتصبح فعلا كل الدنيا وليس ام الدنيا فقط "قد الدنيا" وهذا بحكم الانتعاش الاقتصادي والتجاري والعمراني الذي ستحظى به الجمهورية مثل انشاء مدينة الامل وبعض الطرق والموانئ وبعد ان تصبح مساهمة ايرادات القناة في الدخل القومي المصري اكثر من 13 مليار دولار سنويا اي 12.5% وهي حاليا 5.7 مليار دولار بنسبة 5% من الدخل القومي فقط بعد تحويل قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة بقبض رسوم عبور القناة، اي ان ايراد القناة سيزيد 259% تقريبا.


ان هذا المشروع الضخم بماضيه وحاضره ومستقبله وشعاره يؤسس لنهضة مصرية قوية ليس فقط بتشغيل عدد كبير من العمالة الوطنية وخريجي الجامعات ومهندسو البحرية والقانونين الذين سيكتبون الاف العقود بل لما سينتج عنه من مشروعات اخرى “Spill Over” في مجالات متعددة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: النقل البحري مثل انشاء احواض السفن والمناطق اللوجستية وتطوير الموانئ البحرية العامة والخاصة مثل خطط النهوض بميناء بور سعيد حيث سيحظى بمشروع رفع 17 مليون متر مكعب من الرمال بعمق 9.5 كم داخل البحر الاحمر ليصبح هناك مجالا لتوقف السفن بمعزل عن المجرى الملاحي للقناة ودونما تعطيل حركة مرور السفن ليصبح الاول من ضمن العشر موانئ الاولى في العالم وستشهد مرحلة النهضة تطوير مجموعة الموانئ الاخرى على القناة وخاصة التابعة لهيئة البحر الاحمر وسوف نرى انشاء مممرات وانفاق في محاور عمق القناة تربط شطريها الغربي والشرقي وتطوير اسطول نقل الاشخاص والبضائع بين ذات جانبي القناة "المعديات" وسوف يؤدي ايضا الى تطوير قطاع النقل البري من حيث البنى التحتية كالطرق المعبدة والجسور والانفاق وتطوير النقل بالشاحنات خاصة بين القناة والعاصمة والمحافظات المصرية حيث سيزداد حجم النقل الداخلي وخاصة للحاويات التي تشكل اكثر من 45% من التجارة العالمية حاليا ومن ناحية اخرى سوف يحظى النقل السككي بنقلة نوعية من حيث انشاء سكك حديدية جديدة للافراد والبضائع وقد يكون هناك خط انابيب ناقل مثل خط سورميد الحالي الناقل للنفط من قناة السويس – العين السخنة الى ميناء الاسكندرية بقوة استيعابية سنوية تصل 120 مليون طن من النفط الخام .


ان قناة السويس الجديدة سوف تقود الامة المصرية لانشاء مطار السويس بتكلفة تصل الى 500 مليون جنيه مصري والذي سيخصص لاغراض السياحة والتجارة والنقل الداخلي، بل سيمنع دول الجوار من التفكير في انشاء ممرات مائية او سكك حديدية تنافس قناة السويس القديمة التي يشهد لها وبها التاريخ وهي ذاتها تشهد على حضارة وانتماء ووطنية المصريين ومؤسساتهم.


ان السويس الجديدة وبذات العمق المائي سوف تثبت ان الجغرافيا السياسية للقناة اعمق واعرض بكثير من القناة نفسها بل انها سوف تؤدي الى تعزيز قطاع السياحة والمتاحف الوطنية المصرية التاريخية والحربية في مدن محور القناة مثل متاحف الاسماعيلية والسويس وبور سعيد وبور فؤاد وبور توفيق وسوف يكون سببا رئيسيا في تطوير منطقة البحيرات المرة  والدفرسوار وجزيرة البلاح وبحيرة التمساح وجزيرة كبريت.


ان هذا المشروع يشهد بتاريخ المكان وعبقرية الانسان، يكفي ان المصريين عملوا به بكرامة وباجرهم وباموالهم وليس بالسخرة وبموت الملايين، انه مشروع وطني لن يكلف مصر مزيدا من الحروب كما في العدوان الثلاثي او مزيدا من اغلاق القناة كما حصل سابقا، وهو هدية انسانية من مصر الى العالم بمختلف اجناسه وحضاراته، انه يُسهل الحركة التجارية بين القارات ويوصل السلع لسكان العالم بسرعة بحكم تقصيره المسافة بين اسيا واوروبا لتصل اقل  15 يوما منها عن طريق راس الرجاء الصالح وبتكلفة معقولة ومرور عاجل تحظى به السفن ذات الحمولات الانسانية والمساعدات الدولية دونما انتظار بل ان مسالة الانتظار قد حُلت الان مما يوفر الكثير على الشاحنين ومستاجري السفن والبواخر التي يصل عددها سنويا لاكثر من 20.000 قطعة بحرية تصل حمولتها لاكثر من مليار طن وهو ما سينعكس بالتاكيد على معظم افراد العالم، حيث 8-12% من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس.


ان قناة السويس الجديدة الامنة ذات التخطيط الملاحي العالمي سوف تقود وتشجع مزيدا من الاستثمار في منطقة خليج السويس - سيناء او شرق القناة حيث توجد الثروات المعدنية المصرية وحيث سُتبنى بعض محطات الربط الكهربائي بين السعودية ومصر. ان القناة الجديدة ستجذب ليس المستثمرين فقط، بل مزيدا من النباتات والحيوانات البحرية التي ستنتقل من العيش في المحيط او اي من البحرين الى العيش في مياه قناة السويس وهذا سيساعد على تنوع ما تملكه مصر من كائنات بحرية وخاصة الاسماك.

في يوم افتتاح قناة السويس الجديدة بامتياز مصري دونما الحاجة للتاميم!! سيؤكد نجاح المصريين في هذا المشروع وستجد الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش وليس اي منهما والاخر يد واحدة، بل ان الامة المصرية قد تعود لرشدها وتصالحها مع نفسها بعد عزل رئيس منتخب والصلح سيد الاحكام حتى لو كان مع الاعداء ، فماذا عند وحدة الدم والدين والوطن وعند هذا ما يمنع من ربط نهر النيل بالبحر الاحمر او بقناة السويس طالما وجد المصريون واصحاب الرؤى والفكر المحوسب المواكب لمختلف التطورات والتغيرات في العالم.

رافت الظاهر
ماجستير دراسات اوروبية
دبلوم في النقل الدولي

alsafeer 

التعليـــقات