رئيس التحرير: طلعت علوي

فلسطين.. راتب مسؤول مؤسسة يعادل 280 ضعف معدل دخل الفرد

السبت | 01/08/2015 - 10:36 صباحاً
فلسطين.. راتب مسؤول مؤسسة يعادل 280 ضعف معدل دخل الفرد

بقلم: فضل سليمان

 

تحتل السلطة الفلسطينية المرتبة قبل الأخيرة على مستوى العالم في غياب عدالة توزيع الدخل القومي بين المسؤولين والأفراد، فحين يصل راتب مسؤول مؤسسة عامة 35 ألف دولار وهو ما يعادل 72 ضعف للحد الادنى للاجور للاجور  ويعادل  280  ضعف معدل دخل الفرد الفلسطيني الشهري الذي يبلغ حوالي 120 دولارا فقط( السنوي 1400 دولار)تشعر فعلا ان العدالة كسيحة وليس فقط عرجاء . وكانت إحصائيات نشرها موقع 'جيني' العالمي اكدت ان  'موقع السلطة الفلسطينية المتأخر يشير إلى وجود تفاوت كبير في مستويات الدخول وغياب عدالة توزيعها بين الشرائح السكانية، بينما احتلت كينيا المرتبة الأخيرة في مستوى المساواة بين رواتب المسؤولين ودخل المواطن.

وللمقارنة فقط ، بلغ معدل رواتب المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية خمسة أضعاف معدل دخل الفرد السنوي. وتتصدرت النرويج المراتب المتقدمة عكست سياسات أكثر عدلًا في سياسة توزيع الدخل، بينما جاءت تونس في مرتبة متقدمة نسبيًا، حيث بلغ المعدل نحو 7 أضعاف دخل الموظف العادي.

هناك تقارير ودراسات صدرت مؤخرا ناقشت وضع الرواتب والحقوق المالية لمسؤولي المؤسسات العامة في فلسطين، اشارت بوضوح ان هناك مشكلة جدية متعلقة بمستوى الرواتب والاجور وطريقة التعاطي معها من قبل المرجعيات المختلفية .

من ينشيء هذه المؤسسات ؟

على الرغم من النص الواضح في القانون الأساسي المعدل لعام 2003 والذي يفيد بأن إنشاء وإلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات بالإضافة إلى تعيين رؤساء هذه الهيئات هي من صلاحيات مجلس الوزراء، إلا أن بعض من المؤسسات العامة نشأت بموجب مراسيم وقرارات رئاسية، مثل سلطة جودة البيئة وسلطة الأراضي، مؤسسة النقل الجوي الفلسطينية، صندوق الاستثمار الفلسطيني، وغيرها، وأخرى نشأت بموجب قوانين مقرة من المجلس التشريعي كما هو الحال في سلطة النقد الفلسطينية، الجهاز المركزي للإحصاء، سلطة المياه، هيئة سوق رأس المال، هيئة تشجيع الاستثمار، الهيئة العامة للمدن الصناعية والمناطق الصناعية الحرة، وغيرها.

ان آليات متابعة أعمال هذه الهيئات يعتبر إشكالية خاصة المؤسسات العامة غير الوزارية التي اتبعت لرئيس السلطة الوطنية لأسباب ظرفية وليست قانونية بالرغم من أن بعضها تم تفسيره بالحاقها بالرئيس بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقد أشارت تقارير سابقة إلى عدم وجود دوائر فاعلة في مكتب الرئيس قادرة على متابعة أعمال هذه الهيئات أو مراجعة تقاريرها في حال ما قدمت، والاهم ان بعض هذه المؤسسات غير الوزارية لا يتابع من الحكومة أو الرئيس.

إن هذه المؤسسات - بغض النظر عن جهة المرجعية لها في إطار هيكل السلطة - يجب أن تخضع أصولاً وقانوناً لرقابة المؤسسات الرقابية المختصة كغيرها من المؤسسات الوزارية، مثل رقابة مجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، وديوان الرقابة الإدارية والمالية، وهيئة مكافحة الفساد وديوان الموظفين العام والرقابة الداخلية في وزارة المالية ووزارة التخطيط في مجال وضع الخطط الوطنية، بالإضافة إلى الرقابة المجتمعية أو الرقابة الإدارية لقراراتها أمام القضاء.

هل من المقبول فلسطينيا في ظل وجود اكثر من مليون فلسطيني يعيشون تحت خط الفقر ان يتقاضى (مثلا) مدير عام صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يعين من قبل مجلس ادارة الصندوق ان يتقاضى راتبا ( حسب ما يتم تداوله، فلا احد يستطيع الوصول الى الارقام الدقيقة ) اساسيا ما بين 20.000  و 30.000 دولار ؟

وبالرغم من ان قانون سلطة النقد الفلسطينية رقم 2 لسنة 1997 يشير الى أن راتب محافظ سلطة النقد ونائبه تحدد بقرار من رئيس السلطة الوطنية، إلا أن هذا القرار لم يصدر ولم ينشر حتى تاريخه، ولم يرد في قانون سلطة النقد نص على استقلاليتها المالية والإدارية ومع ذلك يشار الى ان محافظ سلطة النقد يتقاضى راتبا اساسيا شهريا قريب من   (10.000 دولار) ونفس الراتب ايضا بتقاضاه مدير عام هيئة سوق راس المال.

والملفت للانتباه انه رغم ان سلطة الطيران المدني الفلسطيني التي تتبع لوزارة النقل والمواصلات والتي هي معطلة اعمالها منذ تدمير مطار ياسر عرفات عام من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بقيت السلطة قائمة بموظفيها ورئيسها وامتيازاته، ويرأسها رئيس تنفيذي برتبة وزير (براتب اساسي مقداره 3000$) .

وفي ذات السياق فإننا نجد تبايناً كبيراً بين رؤساء وموظفي مؤسسات تؤدي أهدافاً متشابهة،  فعلى سبيل المثال من غير الواضح المعايير التي يتقاضى بناءً عليها رئيس ديوان الرقابة المالية الإدارية ما قيمته 3000 دولار بينما يتقاضى رئيس هيئة مكافحة الفساد قرابة 10.000 دولار، ويلاحظ غياب الشفافية في الإفصاح عن قيمة رواتب رؤساء المؤسسات العامة، ورغبة العديد منهم بعدم السؤال عنها.  وغياب الشفافية في الإجراءات الرسمية الحكومية ذات العلاقة، فهناك بعض المناصب الرسمية التي كلفت لجان بمراجعة حقوقها المالية، وتم إقرارها وإصدراها من قبل رئيس السلطة دون أن تنشر مثل راتب رئيس هيئة مكافحة الفساد وحقوقه المالية.

 

معايير تحديد رواتب ومكافآت رؤساء المؤسسات العامة غير الوزارية

على الرغم من صدور قرار عن مجلس الوزراء عام 2008 بشأن تحديد درجة المؤسسات العامة، لا زال هناك غياب معايير محددة يتم بناءً عليها تحديد رواتب ومكافآت رؤساء المؤسسات العامة، كما ان هناك غياب شفافية في العلاقة مع الحكومة كجهة مرجعية ، كما وتغيب آليات مساءلة هذه المؤسسات العامة بشكل عام حيث أن بعضها أصبح يشكل ممالك خاصة، ان غياب سياسة و معايير واضحة في تحديد الدرجات الوظيفية لشاغلي رؤساء المؤسسات العامة غير الوزارية أدى إلى إهدار مال عام وتضخيم لا مبرر له للعديد من الوظائف، وتنامي ظاهرة الواسطة والمحسوبية للوصول إلى هذه المواقع.

عدم تحديد سقف أعلى للرواتب في مؤسسات القطاع العام

إن عدم تحديد سقف أعلى للرواتب في المؤسسات العامة بشكل عام بما فيها المؤسسات غير الوزارية أدى إلى إرهاق خزينة الدولة، وأدى إلى تقاضي بعض رؤساء هذه المؤسسات رواتباً ومكافآت قد تصل بمجموعها أعلى مما يتقاضاه رئيس السلطة الفلسطينية الذي نظم راتبه وحقوقه المالية بقانون نص على تقاضيه راتباً شهريا قيمته 10.000 دولار.

وإذ تشكل الاجور إحدى أهم موضوعات الإصلاح الاداري. عملت الحكومة على تحديد الحد الأدنى للأجور ولم تحدد السقف الأعلى، علما أن بعض الدول تستخدم نظرية تحديد الحد الأقصى للأجور بهدف سد العجز في الموازنة العامة للدولة، وذلك في نطاق ضغط النفقات وربط الحد الأقصى للعاملين بأجر لدى الدولة بالحد الأدنى للأجور مما يساعد على تقليص الفجوة بالرواتب ، كما هو الحال في مصر حيث أصدر البرلمان تشريعاً حدد فيه الحد الأقصى للأجور.

الخلاصة ،،هناك تخبط في عملية تعيين رؤساء للمؤسسات العامة أدى إلى وقوع مخالفات دستورية منها تعيين أعضاء مجلس تشريعي كرؤساء لهيئات عامة.عدم تحديد سقف أعلى للرواتب في مؤسسات القطاع العام أدى إلى حصول بعض رؤساء المؤسسات العامة غير الوزارية على رواتب وامتيازات ومكافآت تفوق بمجموعها راتب رئيس السلطة الوطنية، وغياب اليات واضحة في التعيين او تحديد الرواتب او المساءلة او المرجعيات، اضافة الى غياب الشفافية وتنامي ظاهرة عدم الإفصاح عن الحقوق المالية وقيمة الرواتب لرؤساء المؤسسات العامة لمن هم خارج قانون الخدمة المدنية والقوانين ذات العلاقة، غياب الأنظمة أو اللوائح التي تنظم عملية صرف بدل المكافآت في بعض المؤسسات، وعدم شفافيتها.

مؤسسات اهلية ليست بافضل حال

وللتعرف على مستوى الرواتب والأجور الخاص بالمدراء التنفيذيين في المؤسسات الأهلية الفلسطينية، وقد تبين أن هذه المؤسسات لا تنشر سلم الرواتب الخاص بها للجمهور أو على صفحاتها الالكترونية الرسمية، ويكتفي بعضها بنشره داخلياً لاطلاع الموظفين.

ويبرز من خلال مراجعة عينة سلم الرواتب والأجور في المؤسسات الأهلية الفلسطينية الرئيسية ارتفاع رواتب العاملين فيها مقارنة مع العاملين في المؤسسات الرسمية، اذ تتجاوز رواتب واجور بعض المدراء التنفيذيين بحدها الأدنى في بعض المؤسسات الأهلية راتب الوزير، الأمر الذي يشجع العديد من الكفاءات الفلسطينية العاملة في مؤسسات الدولة على الانتقال إلى هذه المؤسسات في ظل التباين الكبير بين الرواتب في القطاعين.

تقوم بعض المؤسسات الأهلية بعدم إدراج المدير التنفيذي على سلم الرواتب، ويعزز راتبه في اغلب الأحيان الفجوة بين أعلى وأقل راتب في المؤسسة، بل قد يبلغ في بعض المؤسسات ضعفي الراتب الذي يليه مباشرة. ولا يوجد أي إطار قانوني ينظم مسألة الرواتب والأجور في المؤسسات الأهلية الفلسطينية وإنما هي تخضع للعرض والطلب، لا يوجد نموذج موحد أو إطار عام لجدول الرواتب والأجور في المؤسسات الأهلية.

عموما من المؤكد ان هناك فوضى بحاجة لاعادة ترتيب، لضمان وقف العجز المالي، وهدر المال العام ، ومحاولة استرجاع قيمة انسانية ضائعة تسمى العدالة.

التعليـــقات